يقولون : إنا نخلق أفعالنا ، ومذهب الجبرية القائلين : لا فعل لنا أصلا ، ومثل الملوي ذلك بمن يريد قطع بطيخة فحدّد سكينة وهيأها وأوجد فيها أسباب القطع وأزال عنها موانعه ، ثم وضعها على البطيخة فهي لا تقطع دون أن يتحامل عليها التحامل المعروف لذلك ، ولو وضع عليها ما لا يصلح للقطع كحطبة مثلا لم تقطع ولو تحامل ، فالعبد كالسكين خلقه الله تعالى وهيأه بما أعطاه من القدرة للفعل ، فمن قال : أنا أخلق فعلي مستقلا به فهو كمن قال : السكين تقطع بمجرّد وضعها من غير تحامل ، ومن قال : الفاعل هو الله من غير نظر إلى العبد أصلا كان كمن قال : هو يقطع البطيخة بتحامل يده أو قصبة ملساء من غير سكين ، والذي يقول : إنه باشر بقدرته المهيأة لفعل يخلقه الله تعالى لها في ذلك الفعل ، كمن قال : إنّ السكين قطعت بالتحامل عليها بهذا أجرى الله سبحانه وتعالى عادته في الناس ولو شاء غير ذلك فعل ، ولا يخفى أنّ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه.
ثم علل ذلك بإحاطته بمشيئتهم بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ) أي : المحيط علما وقدرة (كانَ) أي : أزلا وأبدا (عَلِيماً) أي : بما يستأهل كل أحد (حَكِيماً) أي : بالغ الحكمة فهو يمنع منعا محكما من أن يشاء غيره ما لم يأذن فيه فمن علم في جبلته خيرا أعانه عليه ، ومن علم منه الشرّ ساقه إليه وحمله عليه وهو معنى قوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ) أي : ممن علمه من أهل السعادة (فِي رَحْمَتِهِ) أي : جنته وهم المؤمنون. وقوله تعالى (وَالظَّالِمِينَ) أي : الكافرين منصوب بفعل يفسره قوله تعالى : (أَعَدَّ لَهُمْ) مثل أوعد وكافأ ليطابق الجمل المعطوف عليها (عَذاباً أَلِيماً) أي : مؤلما فهم فيه خالدون أبد الآبدين.
وقول البيضاوي تبعا للزمخشري : إنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريرا» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٦٧٧.