الدنيا من خير وشرّ ، وقال الحسن رضي الله عنه : أراد بالمرء المؤمن أي : يجد لنفسه عملا ، وأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا فيتمنى أن يكون ترابا ، ولأنه تعالى قال : (وَيَقُولُ الْكافِرُ) فعلم أنه أراد بالمرء المؤمن وقيل : هو الكافر لقوله تعالى : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) فيكون الكافر ظاهرا وضع موضع الضمير لزيادة الذمّ. ومعنى (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الشرّ كقوله تعالى : (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ٩ ـ ١٠] وما يجوز أن تكون استفهامية منصوبة بقدّمت أي : ينظر أي شيء قدّمت يداه أو موصولة منصوبة بينظر يقال : نظرته بمعنى نظرت إليه والراجع إلى الصلة محذوف.
وقال مقاتل رضي الله عنه : نزل قوله تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، و (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) في أخيه الأسود بن عبد الأسد وقال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر هنا إبليس ، وذلك أنه عاب آدم عليهالسلام بأنه خلق من تراب وافتخر بأنه خلق من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة ورأى ما هو فيه من الشدّة والعذاب تمنى أنه كان بمكان آدم فيقول (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.) قال : ورأيته في بعض التفاسير.
قال البغويّ : قال أبو هريرة رضي الله عنه فيقول التراب : لا ولا كرامة لكل من جعلك مثلي. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان ثم يقال للبهائم والطير : كونوا ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي : فلا أعذب وقيل : معنى (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي : لم أبعث. وقال أبو الزناد : إذا قضي بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار قيل لسائر الأمم ولمؤمني الجنّ : عودوا ترابا فيعودون ترابا فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ،) وقال ليث بن أبي سليم مؤمنو الجنّ يعودون ترابا. وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وغيرهما : مؤمنو الجنّ حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها ، والذي عليه الأكثر أنهم مكلفون مثابون ومعاقبون كبني آدم ، وقيل : يحشر الله تعالى الحيوان غير المكلّف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يردّه ترابا فيودّ الكافر حاله.
وما قاله البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة عمّ سقاه الله تعالى برد الشراب يوم القيامة» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٦٩٢.