وقال أيضا (١) :
لا هم إن المرء يم |
|
نع رحله فامنع حلالك |
لا يغلبن صليبهم |
|
ومحالهم عدوا محالك |
جروا جموع بلادهم |
|
والفيل كي يسبوا عيالك |
عمدوا حماك بكيدهم |
|
جهلا وما رقبوا جلالك |
إن كنت تاركهم وكع |
|
بتنا فأمر ما بدا لك |
ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه فأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله ، فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه وقال : أبرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول في رأسه فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام مهرولا ، فوجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك فضربوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم وخرج عبد المطلب يشتدّ حتى صعد الجبل فأرسل الله تعالى عليهم ما قصه في قوله سبحانه :
(أَلَمْ يَجْعَلْ) أي : جعل بما له من الإحسان إلى العرب لا سيما قريش (كَيْدَهُمْ) أي : في هدم الكعبة (فِي تَضْلِيلٍ) أي : خسارة وهلاك.
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ) أي : خاصة من بين ما هناك من كفار العرب (طَيْراً) أي : طيورا سوداء ، وقيل : خضراء وقيل : بيضاء (أَبابِيلَ) أي : جماعات بكثرة متفرّقة يتبع بعضها بعضا من نواحي شتى فوجا فوجا وزمرة أمام كل فرقة منها طائر يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق. وقيل : أبابيل كالإبل المؤبلة. قال الفراء : لا واحد لها من لفظها ، وقيل : واحدها إبالة. وقال الكسائي : كنت أسمع النحويين يقولون : واحدها أبول كعجول وعجاجيل. وقال ابن عباس : كانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب. وقال عكرمة لها رؤوس كرؤوس السباع. وقال سعيد بن جبير : خضر لها مناقير صفر وقال قتادة : طير سود.
(تَرْمِيهِمْ) أي : الطير (بِحِجارَةٍ) أي : عظيمة في الكثرة والفعل ، صغيرة في المقدار والحجم مع كل طائر حجر في منقاره ، وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة. وعن ابن عباس أنه رأى منها عند أم هانئ نحو قفيز مخططة بالحمرة كالجزع الظفاري ، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره ، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ففرّوا فهلكوا في كل طريق ومنهل وأمّا أبرهة فتساقطت أنامله كلها كلما سقطت أنملة اتبعها مدّة وقيح ودم ، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير ، وما مات حتى انصدع صدره من قلبه ، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة فلما أتمها وقع عليه الحجر فخرّ ميتا بين يديه لأن تلك الحجارة كانت (مِنْ سِجِّيلٍ) أي : طين متحجر مصنوع للعذاب في موضع هو في غاية العلو
ولما تسبب عن هذا الرمي هلاكهم ، وكان ذلك بفعل الله تعالى لأنه الذي خلق الأثر قطعا ،
__________________
(١) الأبيات من مجزوء الكامل ، وهي لعبد المطلب بن هاشم في لسان العرب (محل) ، (غدا) ، (حلل).