الأجل إذ لو بقي صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك لكان كالمعزول من الرسالة وذلك غير جائز وعن ابن عباس : أن عمر كان يدنيه ويأذن له مع أهل بدر ، فقال عبد الرحمن : أتأذن لهذا الفتى معنا وفي أبنائنا من هو مثله؟ فقال : إنه من قد علمتم. قال ابن عباس : فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم فسألهم عن قول الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ولا أراه سألهم إلا من أجلي ، فقال بعضهم : أمر الله تعالى نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه فقلت ليس كذلك ولكن نعيت إليه نفسه ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم ، ثم قال : كيف تلوموني عليه بعد ما ترون. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم «دعا فاطمة رضي الله عنها فقال : يا بنتاه إني نعيت إلى نفسي فبكت ، فقال : لا تبكي فإنك أوّل أهلي لحوقا بي» (١) وعن عائشة «كان صلىاللهعليهوسلم يكثر قبل موته أن يقول : «سبحانك اللهمّ وبحمدك استغفرك وأتوب إليك» (٢) وعنها أيضا «ما صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة بعد أن نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلا يقول فيها : سبحانك اللهمّ وبحمدك اللهمّ اغفر لي» (٣). وقالت أم سلمة رضي الله عنها : «كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال : «سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه. قال : فإني أمرت بها ثم قرأ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلى آخرها» (٤). وقيل : استغفره هضما لنفسك واستصغارا لعملك واستدراكا لما فرط منك بالالتفات على غيره وعنه عليه الصلاة والسلام : «إني استغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة» (٥) وقيل : استغفر لأمّتك وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريق النزول من الخالق إلى الخلق ، كما قيل : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله.
ولما أمره الله تعالى بالتسبيح والاستغفار أرشده إلى التوبة بقوله تعالى : (إِنَّهُ ،) أي : المحسن إليك بالنصر والفتح وغير ذلك مما لا يدخل تحت الحصر (كانَ ،) أي : ولم يزل (تَوَّاباً ،) أي : رجاعا بمن ذهب به الشيطان من أهل رحمته ، فهو الذي رجع بأنصارك عما كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف والعداوات ، فأيدك الله تعالى بدخولهم في الدين شيئا فشيئا إلى أن دخلت مكة بعشرة آلاف ، وهو أيضا يرجع بك إلى الحالة التي يزداد بها ظهور رفعتك في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) [الضحى : ٤] فتفوز بتلك السعادات العالية. وعن ابن مسعود : أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع. قال قتادة ومقاتل : عاش النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه السورة سنتين وهذا بناء على أنها نزلت قبل فتح مكة ، وهو قول الأكثر فإنّ الفتح كان في سنة ثمان ، وأمّا من قال : عاش دون ذلك كما مر فبناء على أنها نزلت في حجة الوداع كما مرّ أيضا.
تنبيه : في الآية سؤالات أحدها أنّ قوله تعالى : (كانَ تَوَّاباً) يدل على الماضي وحاجتنا إلى
__________________
(١) أخرجه بنحوه البخاري في المناقب حديث ٣٦٢٣ ، ٣٦٢٤ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٤٥٠ ، والترمذي في المناقب حديث ٣٨٧٢ ، وابن ماجه في الجنائز حديث ١٦٢١.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٤ / ٣٤٢ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٢ / ٣٦٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٢٣ ، ١٠ / ١٤٢ ، ١٤٣.
(٣) أخرجه البخاري في الأذان حديث ٤٩٦٧.
(٤) تقدم الحديث بنحوه مع تخريجه قبل قليل.
(٥) تقدم الحديث مع تخريجه.