أن يكون الدعاء في أن يدفع الله عنهم أنفس السيئات حتّى لا ينالهم عذاب من أجلها ، ويحتمل أن يكون الدعاء في دفع العذاب اللّاحق من السيئات ، فيكون في اللّفظ على هذا حذف مضاف ، كأنه قال : وقهم جزاء السيّئات ، قال الفخر (١) : وقوله تعالى : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) يعني : من تق السيئات في الدنيا ، فقد رحمته في يوم القيامة ، انتهى ، وهذا راجع إلى التأويل الأول.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)(١١)
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...) الآية ، روي أنّ هذه الحال تكون للكفّار عند دخولهم النار ؛ فإنّهم إذا دخلوا (٢) فيها مقتوا أنفسهم وتناديهم ملائكة العذاب على جهة التوبيخ : لمقت الله إيّاكم في الدّنيا ؛ إذ كنتم تدعون إلى الإيمان فتكفرون ، أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم ، هذا هو معنى الآية ؛ وبه فسّر مجاهد وقتادة وابن زيد (٣) ، واللام في قوله : (لَمَقْتُ) يحتمل أن تكون لام ابتداء ، ويحتمل أن تكون لام قسم ، وهو أصوب ، و (أَكْبَرُ) خبر الابتداء ، واختلف في معنى قولهم : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ...) الآية ، فقال ابن عبّاس وغيره : أرادوا موتة كونهم في الأصلاب ، ثم إحياءهم في الدنيا ، ثم إماتتهم الموت المعروف ، ثم إحياءهم يوم القيامة ، وهي كالتي في سورة البقرة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ...) (٤) [البقرة : ٢٨]
__________________
(١) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (٢٧ / ٣٤)
(٢) في د : ادخلوا.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٤٣) برقم : (٣٠٢٨٦) عن مجاهد ، وبرقم : (٣٠٢٨٧) عن قتادة ، وبرقم : (٣٠٢٨٩) عن ابن زيد ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٩٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٤٩) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٧٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٤٩) ، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن ، ولعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٤٤) برقم : (٣٠٢٩٠) عن قتادة ، وبرقم : (٣٠٢٩٢) عن ابن عبّاس ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٩٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٤٩) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٧٣) عن ابن مسعود ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٥٠) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود ، ولابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عبّاس ، ولعبد بن حميد عن أبي مالك ، ولعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة.