ولذلك استكان هو ، وراجع بقوله : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) واختلف الناس من المراد بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) ، فقال الجمهور : هو المؤمن المذكور ؛ قصّ الله تعالى أقاويله إلى آخر الآيات ، وقالت فرقة : بل كلام ذلك المؤمن قد تمّ ؛ وإنما أراد تعالى : ب (الَّذِي آمَنَ) موسى* ع* محتجّين بقوّة كلامه ، وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك ؛ ولم يكن كلام الأوّل إلا بملاينة لهم.
وقوله : (مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) أي : مثل يوم من أيّامهم ؛ لأنّ عذابهم لم يكن في عصر واحد ، والمراد بالأحزاب المتحزّبون على الأنبياء ، و (مِثْلَ) الثاني : بدل من الأوّل ، والدّأب : العادة ، «ويوم التنادي» معناه : يوم ينادي قوم قوما ، ويناديهم الآخرون ؛ واختلف في التنادي المشار إليه ، فقال قتادة : هو نداء أهل الجنّة أهل النار ، (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) (١) [الأعراف : ٤٤] وقيل : هو النداء الذي يتضمّنه قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] قال* ع (٢) * : ويحتمل / أن يكون المراد التّذكير بكلّ نداء في القيامة فيه مشقّة على الكفّار والعصاة ؛ وذلك كثير. وقرأ ابن عبّاس والضّحّاك وأبو صالح : «يوم التناد» بشدّ الدال (٣) ؛ وهذا معنى آخر ليس من النداء ، بل هو من : ندّ البعير : إذا هرب ؛ وبهذا المعنى فسّر ابن عبّاس والسّدّيّ هذه (٤) الآية ، وروت هذه الفرقة ، في هذا المعنى حديثا أنّ الله تعالى إذا طوى السّموات نزلت ملائكة كلّ سماء ، فكانت صفّا بعد صفّ مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب ؛ فإذا رأى الخلق هول القيامة ، وأخرجت جهنّم عنقا إلى أصحابها ، فرّ الكفّار وندّوا مدبرين إلى كلّ جهة ، فتردّهم الملائكة إلى المحشر ؛ لا عاصم لهم ، والعاصم : المنجي.
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٦) برقم : (٣٠٣٣١) ، (٣٠٣٣٢) عن قتادة ، (٣٠٣٣٣) عن ابن زيد ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٥٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٥٦) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٥٨)
(٣) وقرأ بها الكلبي.
ينظر : «المحتسب» (٢ / ٢٤٣) ، و «الشواذ» ص : (١٣٣) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٥٨) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٤٤٤) ، وزاد نسبتها إلى ابن مقسم ، والزعفراني. وهي في «الدر المصون» (٦ / ٣٩)
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٧) برقم : (٣٠٣٣٥) عن الضحاك ، (٣٠٣٣٦) عن السدي ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٩٧) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٥٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٥٦) ، وعزاه لابن المبارك ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن الضحاك.