وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) الآية ، تنبيه على الوحدانيّة بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه.
وقوله سبحانه : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) عبارة / تردّد في الأدراج المذكورة ، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا وآخرون قبل الأشدّ ، وآخرون قبل الشيخوخة ، (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) ، أي : ليبلغ كلّ واحد أجلا مسمّى لا يتعدّاه ، و (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الحقائق إذا نظرتم في هذا وتدبّرتم حكمة الله تعالى.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ)(٧٧)
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ ...) الآية في الكفّار المجادلين في رسالة نبيّنا محمّد* ع* و (يُسْحَبُونَ) معناه يجرّون ، والسّحب : الجرّ ، والحميم الذائب الشديد الحرّ من النار ، و (يُسْجَرُونَ) : قال مجاهد (١) : معناه توقد النّار بهم ، والعرب تقول ؛ سجرت التّنّور : إذا ملأته نارا ، وقال السّدّيّ : يسجرون : يحرقون (٢) ، ثم أخبر تعالى ؛ أنهم يقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون : ضلّوا ، أي : تلفوا لنا وغابوا ، ثمّ تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب ، فيقولون : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) ثم يقال لهؤلاء الكفّار المعذبين : (ذلِكُمْ) : العذاب الذي أنتم فيه (بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ) في الدنيا بالمعاصي والكفر ، و (تَمْرَحُونَ) قال مجاهد : معناه : الأشر والبطر (٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٧٨) برقم : (٣٠٤٠١) ، وذكره البغوي» (٤ / ١٠٥) ، وزاد نسبته لمقاتل ، وابن عطية (٤ / ٥٦٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٧٠) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٧٨) برقم : (٣٠٤٠٢) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٥٦٩)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٧٩) برقم : (٣٠٤٠٥) ، وذكره البغوي (٤ / ١٠٥) ، وابن عطية (٤ / ٥٧٠) ، ـ