وقوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) قال مجاهد وقتادة : أوحى إلى سكّانها وعمرتها من الملائكة وإليها هي في نفسها ـ ما شاء الله تعالى ـ من الأمور التي بها قوامها وصلاحها (١).
وقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما ذكر ، أي : أوجده بقدرته ، وأحكمه بعلمه.
وقوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يعني : قريشا ، والعرب الذين دعوتهم إلى عبادة الله تعالى عن هذه الآيات البيّنات (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) وقرأ النّخعي وغيره : صعقة فيهما (٢) ، وهذه قراءة بيّنة المعنى ؛ لأنّ الصعقة الهلاك الوحيّ ، وأمّا الأولى فهي تشبيه بالصاعقة ، وهي الوقعة الشديدة من صوت الرعد ، فشبّهت هنا وقعة العذاب بها ؛ لأنّ عادا لم تعذّب إلا بريح ، وإنّما هذا تشبيه واستعارة ، وعبارة الثعلبيّ : (صاعِقَةً) أي : واقعة وعقوبة مثل صاعقة عاد وثمود ، انتهى ، قال* ع (٣) * : وخصّ عادا وثمود بالذّكر ؛ لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام ، قال الثعلبيّ : و (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) يعني : قبلهم وبعدهم ، وقامت الحجّة عليهم في أنّ الرسالة والنذارة عمتهم خبرا ومباشرة ، وقال* ع (٤) * قوله : (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي : جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدّم وجودهم في الزّمن ، فلذلك قال : (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ولا يتوجه أن يجعل (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) عبارة عمّا أتى بعدهم ؛ لأنّ ذلك لا يلحقهم منه تقصير.
* ت* : وما تقدم للثعلبيّ وغيره أحسن ؛ لأنّ مقصد الآية اتصال النذارة بهم وبمن قبلهم وبمن بعدهم ؛ إذ ما من أمّة إلّا وفيها نذير ، وكما قال تعالى : (رُسُلَنا تَتْرا ...) [المؤمنون : ٤٤] وأيضا فإنّه جمع في اللفظ عادا وثمود وبالضرورة أنّ / الرسول الذي أرسل إلى ثمود هو بعد عاد ، فليس لردّ* ع* : وجه ؛ فتأمله.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٩٢ ـ ٩٣) برقم : (٣٠٤٥٥ ـ ٣٠٤٥٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٥ / ٧) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٩٣) ولم يعزه لأحد ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٧٨) ، وعزاه إلى عبد بن حميد ، والفريابي عن مجاهد ، وعبد بن حميد عن قتادة.
(٢) وقرأ بها : ابن الزبير ، والسلمي ، وابن محيصن.
ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٣٤) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٨) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٤٦٨) ، و «الدر المصون» (٦ / ٥٩)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٨)
(٤) ينظر : المصدر السابق.