(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٢١)
وقوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً ...) الآية ، تقدّم قصص هؤلاء ، وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن كثير : (نَحِساتٍ) ـ بسكون الحاء (١) ـ ، وهي جمع «نحس» وقرأ الباقون : (نَحِساتٍ) ـ بكسر الحاء ـ جمع «نحس» على وزن حذر ، والمعنى في هذه اللفظة : مشائيم من النحس المعروف ، قاله مجاهد وغيره (٢) ، وقال ابن عبّاس : (نَحِساتٍ) معناه متتابعات (٣) ، وقيل : معناه : شديدة ، أي : شديدة البرد.
وقوله تعالى : (فَهَدَيْناهُمْ) معناه : بيّنا لهم ؛ قاله ابن عبّاس وغيره ، وهذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبيّنة لليهود والنصارى المختلطين بنا ، ولكّنهم يعرضون ويشتغلون بالضّدّ ، فذلك استحباب العمى على الهدى ، و (الْعَذابِ الْهُونِ) هو الذي معه هوان وإذلال ؛ قال أبو حيّان (٤) : «الهون» مصدر بمعنى «الهوان» ، وصف به العذاب ، انتهى ، و (أَعْداءُ اللهِ) هم الكفار المخالفون لأمر الله سبحانه ، و (يُوزَعُونَ) معناه : يكفّ أوّلهم حبسا على آخرهم ؛ قاله قتادة ، والسّدّيّ (٥) ، وأهل اللغة ، وهذا وصف حال من أحوال الكفرة في بعض أوقات القيامة ، وذلك عند وصولهم إلى جهنّم ، فإنّه سبحانه يستقرهم عند ذلك على أنفسهم ، ويسألون سؤال توبيخ عن كفرهم فيجحدون ، ويحسبون أن لا شاهد
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٥٧٦) ، و «الحجة» (٦ / ١١٦) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٧٥) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٥١) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٢١٠) ، و «العنوان» (١٦٩) ، و «حجة القراءات» (٦٣٥) ، و «شرح شعلة» (٥٧٢) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٤٢)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٩٦) برقم : (٣٠٤٦٨) ، (٣٠٤٧٠) عن مجاهد ، (٣٠٤٧١) عن السدي ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٥ / ٩)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٩٥) برقم : (٣٠٤٦٧) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٥ / ٩) ، وابن كثير (٤ / ٩٥) ولم يعزه لأحد.
(٤) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٤٧١)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٩٨ ـ ٩٩) برقم : (٣٠٤٨٣ ـ ٣٠٤٨٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١١٢) آية رقم (١٩) ، وابن عطية (٥ / ١٠)