عليهم ، ويطلبون شهيدا عليهم من أنفسهم ، وفي الحديث الصحيح : «إنّ العبد ـ يعني الكافر ـ يقول : يا ربّ ، أليس وعدتني ألّا تظلمني؟ قال : فإنّ ذلك لك ، قال : فإنّي لا أقبل عليّ شاهدا إلّا من نفسي ، قال فيختم على فيه ، وتتكلّم أركانه بما كان يعمل ، قال : فيقول لهنّ : بعدا لكنّ ، وسحقا ، فعنكنّ كنت أدافع» (١) الحديث ، قال أبو حيّان (٢) : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) : «ما» بعد «إذا» زائدة للتوكيد ، انتهى.
(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ)(٢٥)
وقوله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) يحتمل أن يكون من كلام الجلود ، ويحتمل أن يكون من كلام الله عزوجل ، وجمهور الناس على أنّ المراد بالجلود الجلود المعروفة ، وأمّا معنى الآية فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يريد وما كنتم تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر ؛ خوف أن يشهد ، أو لأجل (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ...) الآية ، وهذا هو منحى مجاهد (٣) ، والمعنى الثاني أن يريد : وما يمكنكم ولا يسعكم الاختفاء عن أعضائكم ، والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم ، وهذا هو منحى السّدّيّ (٤) ، وعن ابن مسعود قال : «إنّي لمستتر بأستار الكعبة ، إذ دخل ثلاثة نفر : قرشيّان وثقفيّ أو ثقفيّان وقرشيّ ، قليل فقه قلوبهم ، كثير شحم بطونهم ، فتحدّثوا بحديث ، فقال أحدهم : أترى الله يسمع ما قلنا؟ فقال الآخر : يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع منه شيئا فإنّه يسمعه كلّه ، فجئت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته بذلك فنزلت هذه الآية : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) ، وقرأ حتى بلغ : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)» (٥).
__________________
(١) ينظر : «الدر المنثور» (٥ / ٣٥)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٤٧١)
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٥ / ١١)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ١٠٠) برقم : (٣٠٤٩٣) ، وابن عطية (٥ / ١١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٨٠)
(٥) أخرجه البخاري مختصرا (٨ / ٤٢٤) كتاب «التفسير» باب : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٤٨١٦) ، (٨ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥) ـ