آياته ، وهذه الآية نزلت بسبب تخليط كان من قريش في أقوالهم من أجل حروف وقعت في القرآن ، وهي ممّا عرّب من كلام العجم ؛ كسجّين وإستبرق ونحوه ، وقرأ الجمهور : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) على الاستفهام وهمزة ممدودة قبل الألف ، وقرأ حمزة والكسائيّ وحفص : «أأعجميّ» بهمزتين (١) ، وكأنهم ينكرون ذلك ، ويقولون : أأعجمي وعربي مختلط؟ هذا لا يحسن [ثم قال تعالى] (٢) : (قُلْ هُوَ) يعني القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) واختلف الناس في قوله : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ / عَمًى) فقالت فرقة : يريد ب «هو» القرآن ، وقالت فرقة يريد ب «هو» الوقر ، وهذه كلّها استعارات ، والمعنى : أنّهم كالأعمى وصاحب الوقر ؛ وهو الثّقل في الأذن ، المانع من السمع ؛ وكذلك قوله تعالى : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يحتمل معنيين ، وكلاهما مقول للمفسّرين :
أحدهما : أنّها استعارة لقلّة فهمهم ، شبّههم بالرجل ينادى على بعد ، يسمع منه الصوت ، ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه ، وهذا تأويل مجاهد (٣).
والآخر : أنّ الكلام على الحقيقة ، وأنّ معناه : أنّهم يوم القيامة ينادون بكفرهم وقبيح أعمالهم من بعد ؛ حتى يسمع ذلك أهل الموقف ؛ ليفضحوا على رؤوس الخلائق ، ويكون أعظم لتوبيخهم ؛ وهذا تأويل الضّحّاك (٤).
قال أبو حيّان (٥) : (عَمًى) ـ بفتح الميم ـ مصدر عمي ، انتهى.
ثم ضرب الله تعالى أمر موسى مثلا للنبي* ع* ولقريش ، أي : فعل أولئك كأفعال هؤلاء ، حين جاءهم مثل ما جاء هؤلاء ، والكلمة السابقة هي حتم الله تعالى بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة ، والضمير في قوله : (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) يحتمل أن يعود على موسى ، أو على كتابه.
وقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ...) الآية : نصيحة بليغة للعالم ، وتحذير وترجية.
__________________
(١) بل قراءة عاصم بالهمزتين ، إنما هي من رواية أبي بكر عنه ، لا من رواية حفص ، وقرأ الأخير بالمد كقراءة الباقين.
ينظر : «السبعة» (٥٧٦) ، و «الحجة» (٦ / ١١٩) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٧٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٥٢) ، و «العنوان» (١٦٩) ، و «حجة القراءات» (٦٣٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٤٤)
(٢) سقط في : د.
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ١٢٠) برقم : (٣٠٥٨٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢١) ، وابن كثير (٤ / ١٠٣)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ١٢٠) برقم : (٣٠٥٩٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢١)
(٥) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٤٨١)