(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٢)
وقوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ...) الآية ، قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا) : كلام مقطوع ممّا قبله ، وليست بمعادلة ، ولكنّ الكلام كأنّه أضرب عن حجّة لهم أو مقالة مقرّرة ، فقال : بل اتخذوا هذا مشهور قول النحويّين في مثل هذا ، وذهب بعضهم إلى أنّ «أم» هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقدير إضراب ، ثم أثبت الحكم بأنّه عزوجل هو الوليّ الذي تنفع ولايته.
وقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ...) الآية ، المعنى : قل لهم يا محمّد : وما اختلفتم فيه ، أيّها الناس ، من تكذيب وتصديق ، وإيمان وكفر ، وغير ذلك فالحكم فيه والمجازاة عنه ليست إليّ ولا بيدي ؛ وإنّما ذلك إلى الله تعالى ، الذي صفاته ما ذكر من إحياء الموتى والقدرة على كلّ شيء.
وقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) يريد : زوج الإنسان الأنثى ، وبهذه / النعمة اتفق الذرء ، وليست الأزواج هاهنا الأنواع.
وقوله : (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) الظاهر أيضا فيه والمتّسق أنّه يريد إناث الذّكران ، ويحتمل أن يريد الأنواع ، والأوّل أظهر.
وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ) أي : يخلقكم نسلا بعد نسل ، وقرنا بعد قرن ؛ قاله مجاهد والناس ، فلفظة «ذرأ» تزيد على لفظة «خلق» معنى آخر ليس في «خلق» ، وهو توالي طبقات على مرّ الزمان.
وقوله : (فِيهِ) الضمير عائد على الجعل يتضمّنه قوله : (جَعَلَ لَكُمْ) وهذا كما تقول : كلّمت زيدا كلاما أكرمته فيه ، وقال القتبيّ : الضمير للتزويج ، ولفظة «في» مشتركة على معان ، وإن كان أصلها الوعاء ، وإليه يردها النظر في كلّ وجه.
وقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الكاف مؤكّدة للتشبيه ، فنفي التشبيه أوكد ما يكون ؛ وذلك أنّك تقول : زيد كعمرو ، وزيد مثل عمرو ، فإذا أردت المبالغة التامّة قلت : زيد كمثل عمرو ، وجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب ، وعلى هذا المعنى