شواهد كثيرة ، وذهب الطّبريّ (١) وغيره إلى أنّ المعنى : ليس كهو شيء ، وقالوا : لفظة مثل في الآية توكيد ، وواقعة موقع «هو» ، و «المقاليد» : المفاتيح ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (٢) ، وقال مجاهد هذا أصلها بالفارسيّة (٣) ، وهي هاهنا استعارة لوقوع كلّ أمر تحت قدرته سبحانه ، وقال السّدّيّ : المقاليد : الخزائن (٤) ، وفي اللفظ على هذا حذف مضاف ، قال قتادة : من ملك مقاليد خزائن ، فالخزائن في ملكه (٥).
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(١٥)
وقوله سبحانه : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ...) الآية ، المعنى : شرع لكم وبيّن من المعتقدات والتوحيد ما وصّى به نوحا قبل.
وقوله : (وَالَّذِي) عطف على (ما) ، وكذلك ما ذكر بعد من إقامة الدّين مشروع اتفقت النبوّات فيه ؛ وذلك في المعتقدات ، وأمّا الأحكام بانفرادها فهي في الشرائع مختلفة ، وهي المراد في قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨] وإقامة الدين هو توحيد الله ورفض سواه.
وقوله تعالى : (وَلا تَتَفَرَّقُوا) : نهي عن المهلك من تفرّق الأنحاء والمذاهب ، والخير كلّه في الألفة واجتماع الكلمة ، ثم قال تعالى لنبيّه* ع* : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) : من توحيد الله ورفض الأوثان ؛ قال قتادة : كبر عليهم «لا إله إلا الله» وأبى الله إلّا نصرها (٦) ، ثم سلّاه تعالى عنهم بقوله : (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ ...) الآية ،
__________________
(١) ينظر : «تفسير الطبري» (١١ / ١٣٣)
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٥ / ٢٩)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ١٣٣ ، ١٣٤) برقم : (٣٠٦٣٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ١٣٤) برقم : (٣٠٦٣٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩)
(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٩)
(٦) أخرجه الطبري (١١ / ١٣٥) برقم : (٣٠٦٤٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩)