وقوله تعالى : (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) أي : من هذه أفعاله هو الذي ينفع إذا والى ، وتحمد أفعاله ونعمه ، قال القشيريّ : اسمه تعالى : «الولي» ، أي : هو المتولّي لأحوال عباده ، وقيل : هو من الوالي ، وهو الناصر ، فأولياء الله أنصار دينه ، وأشياع طاعته ، والوليّ : في ـ صفة العبد ـ من يواظب على طاعة ربّه ، ومن علامات من يكون الحقّ سبحانه وليّه ـ أن يصونه ، ويكفيه في جميع الأحوال ، ويؤمّنه ، فيغار على قلبه أن يتعلّق بمخلوق في دفع شرّ أو جلب نفع ؛ بل يكون سبحانه هو القائم على قلبه في كلّ نفس ، فيحقّق آماله عند إشاراته ، ويعجّل مآربه عند خطراته ، ومن أمارات ولايته لعبده : أن يديم توفيقه حتّى لو أراد سوءا ، أو قصد محظورا ـ عصمه عن ارتكابه ، أو لو جنح إلى تقصير في طاعة ، أبى إلّا توفيقا وتأييدا ، وهذا من أمارات السعادة ، وعكس هذا من أمارات الشقاوة ، ومن أمارات ولايته أيضا أن يرزقه مودّة في قلوب أوليائه ، انتهى من «التحبير».
ثم ذكر تعالى الآية الكبرى الدّالّة على الصانع ، وذلك خلق السموات والأرض.
وقوله [تعالى] : (وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) يتخرّج على وجوه : منها : أن يريد إحداهما ، وهو ما بثّ في الأرض دون السموات ، ومنها : أن يكون تعالى قد خلق في السموات وبثّ دوابّ لا نعلمها نحن ، ومنها : أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب ، وقد تقع أحيانا كالضفادع / ونحوها ؛ فإنّ السّحاب داخل في اسم السماء.
وقوله تعالى : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ) يريد : يوم القيامة عند الحشر من القبور.
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(٣٣)
وقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) قرأ جمهور القرّاء : «فبما» بفاء ، وكذلك هي في جلّ المصاحف ، وقرأ نافع وابن عامر : «بما» دون فاء (١) ، قال أبو علي الفارسيّ : أصاب من قوله : (وَما أَصابَكُمْ) يحتمل أن يكون في موضع جزم ، وتكون «ما» شرطية ، وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه ، وجوّز حذفها أبو الحسن الأخفش ، وبعض
__________________
(١) وقراءة الجمهور أجود في العربية ، لأن الفاء مجازاة جواب الشرط ، والمعنى : ما يصيبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم.
ينظر : «حجة القراءات» (٦٤٢) ، و «السبعة» (٥٨١) ، و «الحجة» (٦ / ١٢٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٥٦) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٢١٤) ، و «العنوان» (١٧٠) ، و «شرح شعلة» (٥٧٤) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٥٠)