البغداديّين ؛ على أنّها مرادة في المعنى ، ويحتمل أن يكون «أصاب» صلة ل «ما» ، وتكون «ما» بمعنى «الذي» ، وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها ، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم ، أي : لو لا كسبكم ما أصابتكم مصيبة ، والمصيبة إنّما هي بكسب الأيدي ، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم ، ويجوز أن يعرّى منه ، قال* ع (١) * : وأمّا في هذه الآية ، فالتلازم مطّرد مع الثبوت والحذف ، وأمّا معنى الآية ، فاختلف الناس فيه ، فقالت فرقة : هو إخبار من الله تعالى بأنّ الرزايا والمصائب في الدنيا إنّما هي مجازات من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه ، وأنّ الله تعالى يعفو عن كثير ، فلا يعاقب عليه بمصيبة ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يصيب ابن آدم خدش عود ، أو عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلّا بذنب ، وما يعفو عنه أكثر» (٢) ، وقال مرّة الهمدانيّ : رأيت على ظهر كفّ شريح قرحة ، فقلت : ما هذا؟ فقال : هذا بما كسبت يديّ ، ويعفو [الله] (٣) عن كثير ، وقيل لأبي سليمان الدّارانيّ : ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء / إليهم؟ فقال : لأنّهم يعلمون أنّ الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم ، وروى عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «ما أصابكم من مرض ، أو عقوبة ، أو بلاء في الدّنيا ـ فبما كسبت أيديكم ، والله أكرم من أن يثنّي عليكم العقوبة في الآخرة ، وما عفا الله عنه في الدّنيا ، فالله أحلم من أن يعود فيه بعد عفوه» (٤) وقال الحسن : معنى الآية في الحدود ، أي : ما أصابكم من حدّ من حدود الله ، فبما كسبت أيديكم ، ويعفو الله عن كثير ، فيستره على العبد حتى لا يحدّ عليه ، ثم أخبر تعالى عن قصور ابن آدم وضعفه ، وأنّه في قبضة القدرة لا يعجز طلب ربّه ، ولا يمكنه الفرار منه ، و «الجواري» : جمع جارية وهي السفينة ، و (كَالْأَعْلامِ) : الجبال ، وباقي الآية بيّن ، فيه الموعظة وتشريف الصبّار الشكور.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٧)
(٢) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ١٥٣) (٩٨١٥) عن قتادة ، وذكره الهندي في «كنز العمال» (٣ / ٣٤١) (٦٨٤٩) ، وعزاه إلى سعيد بن منصور.
(٣) سقط في : د.
(٤) أخرجه أحمد (١ / ٨٥) ، وأبو يعلى (١ / ٣٥٢) (١٩٣ / ٤٥٣) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٠٧).
قال الهيثمي : رواه أحمد ، وأبو يعلى ، وفيه أزهر بن راشد وهو ضعيف. وله شاهد من طريق آخر منه : أخرجه الترمذي (٥ / ١٦) كتاب «الإيمان» باب : ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن (٢٦٢٦) ، وابن ماجه (٢ / ٨٦٨) كتاب «الحدود» باب : الحد كفارة (٢٦٠٤) ، وأحمد (١ / ٩٩ ، ١٥٩) ، والحاكم (٢ / ٤٤٥). قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.