إسحاق بن بشر : نزلت هذه الآية في الأنبياء (١) ، ثم عمّت ف (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) يعني : لوطا* ع* ، و (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) يعني إبراهيم* ع* ، (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) يعني : نبيّنا محمّدا* ع* ، (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) يعني : يحيى بن زكريّاء ـ عليهماالسلام ـ.
وقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ...) الآية ، نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم الله موسى ونحو ذلك ، ذهب قريش واليهود في ذلك إلى تجسيم ونحوه ، فنزلت الآية مبيّنة صورة تكليم الله عباده ، كيف هو ، فبيّن الله تعالى أنّه لا يكون لأحد من الأنبياء ، ولا ينبغي له ، ولا يمكن فيه أن يكلّمه الله إلّا بأن يوحي إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام ؛ قال مجاهد : أو النفث في القلب (٢) ، أو وحي في منام ، قال النخعيّ : وكان من الأنبياء من يخطّ له في الأرض ونحو هذا ، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلّم جهة ولا حيّزا كموسى ـ عليهالسلام ـ ، وهذا معنى (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي : من خفاء عن المكلّم لا يحدّه ولا يتسوّر بذهنه عليه ، وليس كالحجاب في الشاهد ، أو بأن يرسل إليه ملكا يشافهه بوحي الله / عزوجل ، قال الفخر (٣) : قوله : (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) أي : فيوحي ذلك الملك بإذن الله ما يشاء الله انتهى ، وقرأ جمهور القرّاء والناس : «أو يرسل» بالنصب «فيوحي» بالنصب أيضا ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وابن عبّاس ، وأهل المدينة : «أو يرسل» بالرفع فيوحي ـ بسكون الياء (٤) ـ ، وقوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) «من» متعلّقة بفعل يدلّ ظاهر الكلام عليه ، تقديره : أو يكلّمه من وراء حجاب ، وفي هذه الآية دليل على أنّ الرسالة من أنواع التكليم ، وأنّ من حلف : لا يكلّم فلانا ، وهو لم ينو المشافهة ، ثم أرسل رسولا حنث.
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)(٥٣)
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ...) الآية ، المعنى : وبهذه الطرق ، ومن هذا الجنس أوحينا إليك ، أي : بالرسول ، و «الرّوح» في هذه الآية : القرآن
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٣)
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٣)
(٣) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٢٧ / ١٦٣)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٣) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٥٠٤) ، و «الدر المصون» (٦ / ٨٨)