فليست بأريكة ؛ وبذلك قيّدها ابن عبّاس وغيره (١).
وقوله : (ما يَدَّعُونَ) بمنزلة ما يتمنّون.
قال أبو عبيدة : العرب تقول : ادّع عليّ ما شئت / بمعنى : تمنّ عليّ.
وقوله : (سَلامٌ) قيل : هي صفة ، أي : مسلّم لهم ، وخالص ، وقيل : هو مبتدأ ، وقيل : هو خبر مبتدإ.
(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٦٥)
وقوله تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ) فيه حذف تقديره ؛ ونقول للكفرة ؛ «وامتازوا» معناه : انفصلوا وانحجزوا ؛ لأن العالم في الموقف إنما هم مختلطون. قلت : وهذا يحتاج إلى سند صحيح ، وفي الكلام إجمال ، ويوم القيامة هو مواطن ، ثم خاطبهم تعالى لما تميّزوا ، توبيخا وتوفيقا على عهده إليهم ومخالفتهم له ، وعبادة الشيطان هي طاعته والانقياد لإغوائه.
وقوله : (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) إشارة إلى الشرائع ؛ إذ بعث الله آدم إلى ذريته ؛ ثمّ لم تخل الأرض من شريعة إلى ختم الرسالة بسيدنا محمّد خاتم النبيّين ، و «الجبل» : الأمة العظيمة ، ثم أخبر سبحانه نبيّه محمّدا* ع* أخبارا تشاركه فيه أمّته ؛ بقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) وذلك أن الكفار يجحدون ، ويطلبون شهيدا عليهم من أنفسهم ؛ حسبما ورد في الحديث الصحيح ؛ فعند ذلك يختم الله ـ تعالى ـ على أفواههم ، ويأمر جوارحهم بالشّهادة ؛ فتشهد.
(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ)(٦٩)
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٥٤) عن ابن عبّاس برقم : (٢٩١٩٩) وعن مجاهد (٢٩٢٠٠) ، وعن عكرمة (٢٩٢٠٣) ، وعن قتادة (٢٩٢٠٥) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٥٩) ، وزاد نسبته للحسن ، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٧٥)