وقوله سبحانه : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) الضمير في «أعينهم» لكفار قريش ، ومعنى الآية : تبيين أنّهم في قبضة القدرة ، وبمدرج العذاب.
قال الحسن وقتادة : أراد الأعين حقيقة (١) ، والمعنى : لأعميناهم ؛ فلا يرون كيف يمشون ؛ ويؤيد هذا مجانسة المسخ للعمى الحقيقيّ.
وقوله : (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) معناه : على الفرض والتقدير ، كأنّه قال : ولو شئنا لأعميناهم ، فأحسب أو قدّر أنّهم يسبقون الصراط ؛ وهو الطريق ، فأنّى لهم بالإبصار ، وقد أعميناهم ، وعبارة الثّعلبيّ : وقال الحسن والسدي : ولو نشاء لتركناهم عميا يتردّدون ؛ فكيف يبصرون الطريق حينئذ ، انتهى ، وقال ابن عبّاس : أراد : أعين البصائر (٢) ؛ والمعنى : لو شئنا لحتمنا عليهم بالكفر ؛ فلم يهتد منهم أحدا أبدا ، وبيّن تعالى في تنكيسه المعمّرين ، وأن ذلك مما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه ، وتنكيسه : تحوّل خلقه من القوة إلى الضّعف ؛ ومن الفهم إلى البله ، ونحو ذلك.
ثم أخبر تعالى عن حال نبيه محمّد* ع* رادّا على من قال من الكفرة : إنه شاعر وإن القرآن شعر ـ بقوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ ...) الآية.
(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(٧٦)
وقوله تعالى : «لتنذر من كان حيا» أي : حيّ القلب والبصيرة ، ولم يكن ميّتا لكفره ؛ وهذه استعارة ، قال الضحاك : (مَنْ كانَ حَيًّا) معناه : عاقلا (٣) ، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) معناه :
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٥٩) عن الحسن برقم : (٢٩٢١٧) وعن قتادة (٢٩٢١٨) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٦١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٧٧) ، والسيوطي في «تفسيره» (٥ / ٥٠٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن الحسن.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٥٨) برقم : (٢٩٢١٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٦١) ، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٧٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٠٤) ، وعزاه السيوطي لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٦١) برقم : (٢٩٢٣١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٦٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٨٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٠٦) ، وعزاه للبيهقي في «شعب الإيمان».