مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه ، إلّا بكت عليه السّماء والأرض ، ثمّ قرأ هذه الآية ، وقال : إنّهما لا يبكيان على كافر» (١) قال الداوديّ. وعن مجاهد : ما مات مؤمن إلّا بكت عليه السماء والأرض ، وقال : أفي هذا عجب؟! وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالرّكوع والسجود ، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دويّ كدويّ النّحل؟! (٢) انتهى.
وروى ابن المبارك في «رقائقه» قال : أخبرنا الأوزاعيّ قال : حدّثني عطاء الخراسانيّ ، قال : ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض ، إلّا شهدت له يوم القيامة ، وبكت عليه يوم يموت ، انتهى ، وروى ابن المبارك أيضا عن أبي عبيد صاحب سليمان «أنّ العبد المؤمن إذا مات تنادت بقاع الأرض : عبد الله المؤمن مات قال : فتبكي عليه السّماء والأرض ، فيقول الرحمن تبارك وتعالى : ما يبكيكما على عبدي؟ فيقولان : يا ربّنا ، لم يمش على ناحية منّا قطّ إلّا وهو يذكرك». ا ه.
و (مُنْظَرِينَ) أي : مؤخّرين و (الْعَذابِ الْمُهِينِ) : هو ذبح الأبناء ، والتّسخير ، وغير ذلك.
وقوله : (عَلى عِلْمٍ) أي : على شيء قد سبق عندنا فيهم ، وثبت في علمنا أنّه سينفذ ، ويحتمل أن يكون معناه : على علم لهم وفضائل فيهم على العالمين ، أي : عالمي زمانهم ؛ بدليل أنّ أمّة محمّد خير أمّة أخرجت للناس (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) : لفظ جامع لما أجرى الله من الآيات على يدي موسى ، ولما أنعم به على بني إسرائيل ، والبلاء في هذا الموضع : الاختبار والامتحان ؛ كما قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] الآية ، و (مُبِينٌ) بمعنى : بيّن ثم ذكر تعالى قريشا على جهة الإنكار لقولهم وإنكارهم للبعث ، فقال : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ) أي : ما هي (إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أي : بمبعوثين ، وقول قريش : (فَأْتُوا بِآبائِنا) مخاطبة للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم طلبوا منه أن يحيي الله لهم بعض آبائهم ، وسمّوا له قصيّا وغيره ، كي يسألوهم عمّا رأوا في آخرتهم.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (١١ / ٢٣٨) برقم : (٣١١٢٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٤٨) ، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٢٣٨) برقم : (٣١١٢٥ ، ٣١١٢٨) عن مجاهد ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ١٤٢)