قوّة تهديد ، والأفّاك : الكذّاب الذي يقع منه الإفك مرارا ، والأثيم : بناء مبالغة ، اسم فاعل من أثم يأثم ، وروي أنّ سبب الآية أبو جهل ، وقيل : النّضر بن الحارث ، والصواب أنّها عامّة فيهما وفي غيرهما ، وأنّها تعمّ كلّ من دخل تحت الأوصاف المذكورة إلى يوم القيامة و (يُصِرُّ) معناه : يثبت على عقيدته من الكفر.
وقوله : (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي : مؤلم.
(وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١٠)
وقوله تعالى : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) أي : أخبر بشيء من آياتنا ، فعلم نفس الخبر لا المعنى الذي تضمّنه الخبر ، ولو علم المعاني الّتي تضمّنها أخبار الشرع ، وعرف حقائقها ـ لكان مؤمنا.
* ت* : وفي هذا نظر ؛ لأنّه ينحو إلى القول بأنّ الكفر لا يتصوّر عنادا محضا ، وقد تقدّم اختياره ـ رحمهالله ـ لذلك في غير هذا المحلّ ، فقف عليه ، وخشية الإطالة منعتني من تكراره هنا.
(هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(١٣)
وقوله سبحانه : (هذا هُدىً) إشارة إلى القرآن.
وقوله : (لَهُمْ عَذابٌ) بمنزلة قولك : لهم حظّ ، فمن هذه الجهة / ومن جهة تغاير اللفظين حسن قوله : (عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) ، إذ الرجز هو العذاب.
وقوله : (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) أقام القدرة والإذن مناب أن يأمر البحر والناس بذلك ، وقرأ مسلمة بن محارب (١) : «جميعا منة» بضم التاء ، وقرأ أيضا : «جميعا منّه» [بفتح الميم وشد النون والهاء] (٢) وقرأ ابن عبّاس : «منّة» بالنصب على المصدر (٣).
__________________
(١) أما الأولى فذكرها ابن عطية في «البحر الوجيز» (٥ / ٨٢) ، وأما القراءة الثانية عنه ، فقد ذكرها ابن عطية أيضا ، وكذلك ابن خالويه في «مختصر الشواذ» ص : (١٣٩) ، وابن جني في «المحتسب» (٢ / ٢٦٢) ، والزمخشري في «الكشاف» (٤ / ٢٨٨)
(٢) سقط في : د.
(٣) وقرأ بها عبيد بن عمير ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والجحدري.