(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٤)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ...) الآية : المعنى : يا أيها الناس ، أنتم سواء من حيث أنتم مخلوقون ، وإنّما جعلتم قبائل ؛ لأن تتعارفوا ، أو لأن تعرفوا الحقائق ، وأمّا الشرف والكرم فهو / بتقوى الله تعالى وسلامة القلوب ، وقرأ ابن مسعود : «لتعارفوا بينكم وخيركم عند الله أتقاكم» (١) وقرأ ابن عبّاس : «لتعرفوا أنّ» (٢) على وزن «تفعلوا» بكسر العين ـ وبفتح الهمزة من «أنّ» ، وروي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من سرّه أن يكون أكرم الناس ، فليتّق الله (٣)» وأمّا الشعوب فهو جمع شعب ، وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطا بنسب واحد ؛ كمضر وربيعة وحمير ، ويتلوه القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، والأسرة وهما قرابة الرجل الأدنون ، ثم نبّه سبحانه على الحذر بقوله : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) أي : بالمتقي الذي يستحق رتبة الكرم ، وخرّج مسلم في صحيحه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «إنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا ؛ حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» (٤) وروى أبو داود والترمذيّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم ، إنّما هم فحم من جهنّم ـ أو ليكونّن على الله أهون من الجعل الّذي يدهده الخراء بأنفه ، إنّ الله أذهب عنكم عبيّة الجاهليّة وفخرها ؛ إنّما هو مؤمن تقي ، أو فاجر شقيّ ، كلّكم بنو آدم وآدم من تراب» (٥) انتهى ، ونقله البغويّ في «مصابيحه».
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٥٣)
(٢) وقرأ بها أبان عن عاصم. قال أبو الفتح : المفعول هنا محذوف ، أي : لتعرفوا ما أنتم محتاجون إلى معرفته من هذا الوجه.
ينظر : «المحتسب» (٢ / ٢٨٠) ، و «الشواذ» ص : (١٤٤) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ١٥٣) ، و «البحر المحيط» (٨ / ١١٦) ، و «الدر المصون» (٦ / ١٧٢)
(٣) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (١ / ٣٧٣) وقال : رواه البيهقي ، وأبو يعلى ، والطبراني ، وأبو نعيم ، والحاكم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعا ، لكن قال البيهقي في «الزهد» : تكلموا في هشام بن زياد أحد رواة الحديث.
(٤) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٩٩) كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب : الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة ، وأهل النار (٦٤ / ٢٨٦٥) ، وأبو داود (٢ / ٦٩١) كتاب «الأدب» باب : في التواضع (٤٨٩٠) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٩٩) كتاب «الزهد» باب : البراءة من الكبر ، والتواضع (٤١٧٩)
(٥) أخرجه أبو داود (٢ / ٧٥٢) كتاب «الأدب» باب : في التفاخر بالأحساب (٥١١٦) بنحوه ، والترمذي (٥ / ٧٣٤) كتاب «المناقب» باب : في فضل الشام واليمن (٣٩٥٥) ، وأحمد (٢ / ٥٢٤).
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.