وكون العبد في قبضة القدرة والعلم قد أحيط به ، فالقرب هو بالقدرة والسّلطان ، إذ لا ينحجب عن علم الله لا باطن ولا ظاهر ، والوريد : عرق كبير في العنق ، ويقال : إنّهما وريدان عن يمين وشمال.
وأمّا قوله تعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) فقال المفسرون : العامل في إذ (أَقْرَبُ) ويحتمل عندي أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره : اذكر إذ يتلقى المتلقيان ، و (الْمُتَلَقِّيانِ) : الملكان الموكّلان بكل إنسان ، ملك اليمين الذي يكتب الحسنات ، وملك الشمال الذي يكتب السيّئات ؛ قال الحسن : الحفظة أربعة : اثنان بالنهار ، واثنان بالليل (١) ، قال* ع (٢) * : ويؤيد ذلك الحديث الصحيح : «يتعاقبون فيكم ، ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار» (٣) الحديث / بكماله ، ويروى أنّ ملك اليمين أمير على ملك الشمال ، وأنّ العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر : تثبّت ؛ لعلّه يتوب ؛ رواه إبراهيم التيمي ، وسفيان الثوري ، و (قَعِيدٌ) : معناه قاعد.
(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٢٢)
وقوله سبحانه : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ...) الآية ، قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : يكتب الملكان جميع الكلام ، فيثبت الله من ذلك الحسنات والسيئات ، ويمحو غير هذا (٤) ، وهذا هو ظاهر هذه الآية ، قال أبو الجوزاء ، ومجاهد : يكتبان عليه كلّ شيء حتى أنينه في مرضه (٥) ، وقال عكرمة : يكتبان الخير والشرّ فقط (٦) ؛ قال* ع (٧) * : والأوّل أصوب.
* ت* : وروى أبو الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «كلّ شيء يتكلّم به ابن آدم ، فإنّه مكتوب عليه ، إذا أخطأ خطيئة ، فأحبّ أن يتوب إلى الله ، فليأت ، فليمدّ يديه إلى الله
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٤١٦) برقم : (٣١٨٦٣) عن ابن عبّاس ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٦٠)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٦٠)
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٤١٧) برقم : (٣١٨٦٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٦٠)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٤١٧) برقم : (٣١٨٦٨) عن ابن زيد ، وذكره البغوي (٤ / ٢٢٢) ، وابن عطية (٥ / ١٦٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لابن المنذر عن مجاهد.
(٦) أخرجه الطبري (١١ / ٤١٦) برقم : (٣١٨٦٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٢٢) ، وابن عطية (٥ / ١٦٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١١٩) ، وعزاه لابن المنذر.
(٧) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٦٠)