ثم أضرب سبحانه تهميما بأمر الساعة التي هي أشدّ عليهم من كلّ هزيمة وقتل ، فقال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) و (أَدْهى) : أفعل من الداهية ، وهي الرزيّة العظمى تنزل بالمرء ، (وَأَمَرُّ) من المرارة.
* ت* : وقال الثعلبيّ : الداهية الأمرّ : الشديد الذي لا يهتدى للخلاص منه ، انتهى.
ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنّهم في الدنيا في حيرة وانتلاف ، وفقد هدى ، وفي الآخرة في احتراق وتسعّر ، وقال ابن عبّاس (١) : المعنى : في خسران وجنون ، والسّعر : الجنون ، وأكثر المفسرين على أنّ المجرمين هنا يراد بهم الكفّار ، والسّحب : الجرّ.
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥)
وقوله سبحانه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) قرأ جمهور الناس : (كُلَ) بالنصب ، وقالوا : المعنى : إنّا خلقنا كلّ شيء بقدر سابق ، وليست خلقنا في موضع الصفة لشيء ، / وهذا مذهب أهل السّنّة وهذا المعنى يقتضي أنّ كلّ شيء مخلوق إلّا ما قام عليه الدليل أنّه ليس بمخلوق ؛ كالقرآن والصفات.
* ت* : قال الثعلبيّ : قال ابن عبّاس (٢) : خلق الله الخلق كلّهم بقدر ، وخلق الخير والشرّ ، فخير الخير : السعادة ، وشرّ الشرّ : الشقاوة.
وقوله سبحانه : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) قال* ع (٣) * : أي : إلّا قولة واحدة ، وهي «كن».
* ت* : قوله : إلّا قولة فيه قلق ما ، وكأنّه فهم أنّ معنى الآية راجع إلى قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] وعبارة الثعلبيّ : أي : وما أمر الساعة إلّا واحدة ، أي : إلّا رجفة واحدة ، قال أبو عبيد : هي نعت للمعنى
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢١)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٩) برقم : (٣٢٨٤٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٥) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢١)