(وَالْباطِنُ) : بلطفه وغوامض حكمته وباهر صفاته التي لا تصل إلى معرفتها على ـ ما هي عليه ـ الأوهام ، وباقي الآية تقدم تفسير نظيره.
وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) معناه : بقدرته وعلمه وإحاطته ، وهذه آية أجمعت الأمّة على هذا التأويل فيها ، وباقي الآية بيّن.
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٩)
وقوله سبحانه : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ...) الآية : أمر للمؤمنين بالثبوت على الإيمان ، ويروى أنّ هذه الآية نزلت في غزوة العسرة ، قاله الضّحّاك (١) ، وقال : الإشارة بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا) إلى عثمان بن عفان ، يريد : ومن في معناه ؛ كعبد الرحمن بن عوف ، وغيره.
وقوله : (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) : تزهيد وتنبيه على أنّ الأموال إنّما تصير إلى الإنسان من غيره ، ويتركها لغيره ، وليس له من ذلك إلّا ما أكل فأفنى ، أو تصدق فأمضى ، ويروى أنّ رجلا مرّ بأعرابيّ له إبل فقال له : يا أعرابيّ ، لمن هذه الإبل؟ قال : هي لله عندي ، فهذا موفّق مصيب إن صحب قوله عمله.
وقوله سبحانه : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) الآية : توطئة لدعائهم (رضي الله عنهم) لأنّهم أهل هذه / الرّتب الرفيعة ، وإذا تقرر أنّ الرسول يدعوهم ، وأنّهم ممّن أخذ الله ميثاقهم ـ فكيف يمتنعون من الإيمان؟.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إن دمتم على إيمانكم ، و (الظُّلُماتِ) : الكفر ، و (النُّورِ) : الإيمان ، وباقي الآية وعد وتأنيس.
(وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(١١)
وقوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٥٨)