العبادات ، والنصوح بناء مبالغة من النصح ، أي : توبة نصحت صاحبها ، وأرشدته ، وعن عمر : التوبة النصوح : هي أن يتوب ثم لا يعود ولا يريد أن يعود (١) ، وقال أبو بكر الورّاق ، هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت كتوبة الذين خلّفوا. وروي / في معنى قوله تعالى : «يوم لا يخزي الله النبي» أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم تضرّع مرّة إلى الله ـ عزوجل ـ في أمر أمّته ، فأوحى الله إليه إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال : يا ربّ ، أنت أرحم بهم ، فقال الله تعالى : إذن لا أخزيك فيهم (٢).
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) يحتمل : أن يكون معطوفا على النبيّ فيخرج المؤمنون من الخزي ، ويحتمل : أن يكون مبتدأ ، و (نُورُهُمْ يَسْعى) : جملة هي خبره ، وقولهم : (أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) قال الحسن بن أبي الحسن : هو عند ما يرون من انطفاء نور المنافقين (٣) حسبما تقدم تفسيره ، وقيل : يقوله من أعطي من النور بقدر ما يرى موضع قدميه فقط ، وباقي الآية بيّن مما تقدم في غير هذا الموضع.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(١٢)
وقوله سبحانه : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ ...) الآية ، هذان المثلان اللذان للكفار والمؤمنين معناهما : أنّ من كفر لا يغني عنه من الله شيء ولا ينفعه سبب ، وإنّ من آمن لا يدفعه عن رضوان الله دافع ولو كان في أسوأ منشأ وأخسّ حال ، وقول من قال : إنّ في المثلين عبرة لأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم بعيد. قال ابن عبّاس وغيره : «خانتاهما» : أي في الكفر (٤) ، وفي أن امرأة نوح كانت تقول للناس : إنّه مجنون ، وأن امرأة لوط كانت تنمّ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ١٥٦) ، برقم : (٣٤٤٤٤) ، والبغوي (٤ / ٣٦٧) ، وابن عطية (٥ / ٣٣٤) ، وابن كثير (٤ / ٣٩٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٧٦) ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وهناد ، وابن منيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٣٤)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ١٥٩) ، برقم : (٣٤٤٥٧ ـ ٣٤٤٥٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٣٤) ، وابن كثير (٤ / ٣٩٢)
(٤) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٣٥) ، وابن كثير (٤ / ٣٩٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٧٧) ، وعزاه ـ