وما بعده يحتمل أن يكون عطفا على اسم الله ، ويحتمل أن يكون جبريل رفعا بالابتداء وما بعده عطف عليه و (ظَهِيرٌ) هو الخبر ، وخرّج البخاريّ بسنده عن أنس قال : قال عمر : اجتمع نساء النبي صلىاللهعليهوسلم في الغيرة عليه فقلت لهنّ : عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ ، فنزلت هذه الآية (١) ، انتهى ، و (قانِتاتٍ) معناه مطيعات ، والسائحات قيل : معناه : صائمات ، وقيل : معناه : / مهاجرات ، وقيل : معناه ذاهبات في طاعة الله ، وشبّه الصائم بالسائح من حيث ينهمل السائح ولا ينظر في زاد ولا مطعم ، وكذلك الصائم يمسك عن ذلك ، فيستوي هو والسائح في الامتناع ، وشظف العيش لفقد الطّعام.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٩)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ...) الآية ، (قُوا) معناه اجعلوا وقاية بينكم وبين النار ، وقوله : (وَأَهْلِيكُمْ) معناه بالوصيّة لهم والتقويم والحمل على طاعة الله ، وفي الحديث : «رحم الله رجلا قال : يا أهلاه صلاتكم ، صيامكم ، [زكاتكم] ، مسكينكم ، يتيمكم» (٢) * ت* : وفي «العتبية» عن مالك أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله أذن لي أن أتحدّث عن ملك من الملائكة ، إنّ ما بين شحمة أذنه وعاتقه لمخفق الطّير سبعين عاما» (٣) ، انتهى ، وباقي الآية في غاية الوضوح ، نجّانا الله من عذابه بفضله ، والتوبة فرض على كلّ مسلم ، وهي الندم على فارط المعصية ، والعزم على ترك مثلها في المستقبل ، هذا من المتمكن ، وأما غير المتمكّن كالمجبوب في الزّنا فالندم وحده يكفيه ، والتوبة عبادة كالصّلاة ، وغيرها ، فإذا تاب العبد وحصلت توبته بشروطها وقبلت ، ثم عاود الذنب فتوبته الأولى لا تفسدها عودة بل هي كسائر ما تحصّل من
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ١٥٥) ، برقم : (٣٤٤٢٥) ، (٣٤٤٢٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٣٢) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٣٩٠)
(٢) ذكره الزيلعي في «تخريج الأحاديث والآثار» (٤ / ٦٦) ، وقال : غريب.
(٣) تقدم تخريجه.