معناه : على الكفرة بالله ، والفوج : الفريق من الناس ، وظاهر الآية أنّه لا يلقى في جهنّم أحد إلا سئل على جهة التوبيخ.
وقوله سبحانه : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) يحتمل أن يكون من قول الملائكة ، ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفار للنّذر ، قال الفخر (١) : وقوله ـ تعالى ـ عنهم : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) قيل إنما جمعوا بين السّمع والعقل ؛ [لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل] ، انتهى.
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ)(٢٠)
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يحتمل معنيين : أحدهما بالغيب الذي / أخبروا به من النشر والحشر والجنة والنار ، فآمنوا بذلك وخشوا ربّهم فيه ؛ ونحا إلى هذا قتادة (٢) ، والمعنى الثاني : أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس ، أي : في خلواتهم في صلاتهم وعباداتهم.
وقوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ ...) الآية ، خطاب لجميع الخلق ، و (ذَلُولاً) بمعنى مذلولة ، و (مَناكِبِها) قال مجاهد : هي الطّرق والفجاج (٣) ، وقال البخاري : (مَناكِبِها) : جوانبها ، قال الغزالي ـ رحمهالله ـ : جعل الله سبحانه الأرض ذلولا لعباده لا ليستقرّوا في مناكبها ، بل ليتّخذوها منزلا فيتزوّدون منها محترزين من مصائدها ومعاطبها ، ويتحقّقون أنّ العمر يسير بهم سير السفينة براكبها ، فالناس في هذا العالم سفر وأوّل منازلهم المهد ، وآخرها اللحد ، والوطن هو الجنّة أو النار ، والعمر مسافة السّفر ، فسنوه مراحله ، وشهوره
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (٣٠ / ٥٧)
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٠)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ١٦٩) ، برقم : (٣٤٥٠٥) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٧١) ، وابن عطية (٥ / ٣٤١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٤) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.