في الحديث ، ويقال : أكبّ الرجل إذا درّ وجهه إلى الأرض ، وكبّه غيره ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلّا حصائد ألسنتهم» (١) فهذا الفعل على خلاف القاعدة المعلومة ؛ لأنّ «أفعل» هنا لا يتعدّى ، و «فعل» يتعدّى ، ونظيره قشعت الريح السّحاب فانقشع ، وقال ـ ص ـ : (مُكِبًّا) حال وهو من أكبّ غير متعدّ ، وكبّ متعد ، قال تعالى : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠] والهمزة فيه للدخول في الشيء ، أو للصيرورة ، ومطاوع / كبّ : انكبّ ، تقول كببته فانكبّ ، قال بعض الناس : ولا شيء من بناء «أفعل» مطاوعا ، انتهى ، و (أَهْدى) في هذه الآية أفعل تفضيل من الهدى.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٣٠)
وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) يريدون أمر القيامة والعذاب المتوعّد به ، ثم أمر سبحانه نبيه* ع* أن يخبرهم بأنّ علم القيامة والوعد الصدق مما تفرّد الله ـ سبحانه ـ بعلمه.
وقوله سبحانه : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) الضمير للعذاب الذي تضمّنه الوعد ، وهذه حكاية حال تأتي ، والمعنى : فإذا رأوه.
و (زُلْفَةً) معناه قريبا ، قال الحسن : عيانا (٢).
و (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه : ظهر فيها السوء.
و (تَدَّعُونَ) معناه : تتداعون أمره بينكم ، وقال الحسن : تدعون أنّه لا جنّة ولا نار (٣) ، وروي في تأويل قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ ...) الآية ، أنّهم كانوا يدعون على محمّد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بالهلاك ، فقال الله تعالى لنبيه : قل لهم : أرأيتم
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣) ، برقم : (٣٤٥١٦ ـ ٣٤٥١٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٣)
(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٣)