حفظته ، انتهى ، ثم / ذكّر تعالى بأمر القيامة ، وقرأ الجمهور (١) : «وحملت» بتخفيف الميم بمعنى : حملتها الريح أو القدرة ، و (فَدُكَّتا) معناه سوّي جميعها ، وانشقاق السماء هو تفطّرها وتميّز بعضها من بعض ، وذلك هو الوهي الذي ينالها ، كما يقال في الجدرات البالية المتشققة واهية ، والملك اسم الجنس يريد به الملائكة ، وقال جمهور من المفسرين : الضمير في (أَرْجائِها) عائد على السّماء أي : الملائكة على نواحيها ، والرجاء الجانب من البئر أو الحائط ؛ ونحوه ، وقال الضحاك وابن جبير وغيرهما : الضمير في : (أَرْجائِها) عائد على الأرض (٢) ، وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب ؛ لأنّ القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك ، وفسّروا هذه الآية بما روي من أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا ، فيقفون صفّا على حافّات الأرض ، ثم يأمر ملائكة السماء الثانية ؛ فيصفّون خلفهم ، ثم كذلك ملائكة كلّ سماء ، فكلما ندّ أحد من الجن أو الإنس ، وجد الأرض قد أحيط بها ، قالوا : فهذا تفسير هذه الآية ؛ وهو أيضا معنى قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] وهو تفسير : «يوم التنادّ* يوم تولّون مدبرين» [غافر : ٣٢ ـ ٣٣] على قراءة من شدّد الدال ، وهو تفسير قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...) [الرحمن : ٣٣] الآية ، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش ، فقال ابن عبّاس : هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدّتهم (٣) ، وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول (٤) ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناس أرجلهم تحت الأرض السابعة ، ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة ، قال الغزّاليّ في «الدرة الفاخرة» : هم ثمانية أملاك قدم الملك منهم مسيرة عشرين ألف سنة ، انتهى ، والضمير في قوله : (فَوْقَهُمْ) قيل : هو للملائكة / الحملة ، وقيل : للعالم كلّه.
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ
__________________
(١) وقرأ ابن عبّاس ، والأعمش ، وابن أبي عبلة ، وابن مقسم بتشديد الميم.
ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٦١) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٧٩) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣١٧) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣٦٣) ، و «التخريجات النحوية» (٢٣٨)
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٩)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦) ، رقم : (٣٤٧٨٨ ، ٣٤٧٩٠) بنحوه ، وذكره البغوي (٤ / ٣٨٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٩) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤١٤) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٩) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٢١٦) ، رقم : (٣٤٧٩٢) بنحوه. وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٩)