(٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)(٢٩)
وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) خطاب لجميع العالم ، وفي الحديث الصحيح : «يعرض الناس ثلاث عرضات ، فأمّا عرضتان ؛ فجدال ومعاذير ، وأمّا الثّالثة ، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله» (١) ، قال الغزّاليّ : يجب على كلّ مسلم البدار ، إلى محاسبة نفسه ؛ كما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا (٢) ، وإنّما حسابه لنفسه ، أن يتوب من كلّ معصية قبل الموت توبة نصوحا ، ويتدارك ما فرّط فيه من تقصير في فرائض الله ـ عزوجل ـ ويردّ المظالم حبّة حبّة ، ويستحلّ كلّ من تعرّض له بلسانه ويده ، وسوء ظنّه بقلبه ، ويطيّب قلوبهم حتى يموت ، ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة ، فهذا يدخل بغير حساب ، إن شاء الله تعالى ، انتهى من آخر «الإحياء» ، ونقل القرطبيّ في «تذكرته» هذه الألفاظ بعينها.
وقوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) معناه تعالوا ، وقوله : (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) هو استبشار وسرور ـ ص ـ : (هاؤُمُ) «ها» بمعنى خذ ، قال الكسائيّ : والعرب تقول : هاء يا رجل ، وللاثنين ؛ رجلين أو امرأتين : هاؤما ، وللرجال : هاؤم ، وللمرأة : هاء بهمزة مكسورة من غير ياء ، وللنساء : هاؤنّ ، وزعم القتبيّ أنّ الهمزة بدل من الكاف ، وهو ضعيف ، إلا أن يعني أنها تحلّ محلّها في لغة من قال : هاك وهاك ، وهاكما وهاكم وهاكنّ ، فذلك ممكن ، لا أنّه بدل صناعيّ ؛ لأنّ الكاف / لا تبدل من الهمزة ولا الهمزة منها. انتهى.
وقوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) عبارة عن إيمانه بالبعث وغيره ، و (ظَنَنْتُ) هنا واقعة موقع : تيقّنت ، وهي في متيقّن لم يقع بعد ولا خرج إلى الحسّ ، وهذا هو باب الظنّ الذي يوقع موقع اليقين ، و (راضِيَةٍ) بمعنى مرضيّة ، والقطوف : جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ، ويقطف ، ودنوّها هو أنها تأتي طوع التّمنّي فيأكلها القائم والقاعد
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٦١٧) ، كتاب «صفة القيامة» باب : ما جاء في العرض (٢٤٢٥) ، وابن ماجه (٢ / ١٤٣٠) ، كتاب «الزهد» باب : ذكر البعث (٤٢٧٧) ، وأحمد (٤ / ٤١٤).
قال الترمذي : ولا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٠) ، وعزاه لابن المبارك.