للزبانية : خذوه واجعلوا في عنقه غلّا ، قال ابن جريج : نزلت في أبي جهل (١).
وقوله تعالى : (فَاسْلُكُوهُ) معناه : أدخلوه ، وروي أن هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره ، فهي في الحقيقة التي تسلك فيه ، لكنّ الكلام جرى مجرى : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وروي أن هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تعمّه وتضغطه ، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك.
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ)(٣٧)
وقوله تعالى : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) خصّت هذه الخلة بالذكر ، لأنّها من أضرّ الخلال بالبشر ؛ إذا كثرت في قوم هلك مساكينهم ، * ت* : ونقل الفخر (٢) عن بعض الناس أنه قال في قوله تعالى : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) : دليلان قويّان على عظم الجرم في حرمان المساكين ، أحدهما : عطفه على الكفر وجعله قرينا له ، والثاني : ذكر الحضّ دون الفعل ليعلم أنّه إذا كان تارك الحضّ بهذه المنزلة ، فكيف بمن ترك الفعل ، قال الفخر (٣) : ودلت الآية على أنّ الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة ، وهو المراد من قولنا : إنهم مخاطبون بفروع الشريعة / وعن أبي الدّرداء أنه : كان يحضّ امرأته على تكثير المرق ؛ لأجل المساكين ، ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان ، أفلا نخلع النصف الثاني (٤) ، انتهى.
وقوله : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي صديق لطيف المودة ؛ قاله الجمهور ، وقيل : الحميم الماء السّخن ، فكأنه تعالى أخبر أنّ الكافر ليس له ماء ولا شيء مائع ولا طعام إلا من غسلين ، وهو ما يجري من الجراح ، إذا غسلت ، وقال ابن عبّاس : الغسلين هو صديد أهل النار (٥) ، وقال قوم : الغسلين : شيء يجري من ضريع النار ، ـ ص ـ : (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) أبو البقاء : النون في (غسلين) زائدة : لأنه غسالة أهل النار ، انتهى ،
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٦١) عن ابن جرير.
(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (٣٠ / ١٠٢)
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٢) ، وعزاه لأبي عبيد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن أبي الدرداء.
(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٢١) ، رقم (٣٤٨٢٥) ، وابن عطية (٥ / ٣٦١) ، وابن كثير (٤ / ٤١٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٢) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم.