وقوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ / بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ ...) الآية ، من القرّاء من كسر الهمزة من «إنّه» ، ومنهم من فتحها (١) ، والكسر أوجه ، والمعنى في الآية : ما كانت العرب تفعله في أسفارها من أنّ الرجل إذا أراد المبيت بواد ، صاح بأعلى صوته : يا عزيز هذا الوادي ؛ إني أعوذ بك من السّفهاء الذين في طاعتك ، ويعتقد بذلك أنّ الجنّيّ يحميه ويمنعه ، قال قتادة : فكانت الجنّ تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم ، فكانوا يزيدونهم مخافة ، ويتعرضون للتّخيّل لهم ، ويغوونهم ، في إرادتهم ، فهذا هو الرهق الذي زادته الجنّ بني آدم (٢) ، وقال مجاهد وغيره : بنو آدم هم الذين زادوا الجنّ رهقا وهي الجراءة والطّغيان (٣) وقد فسّر قوم الرهق بالإثم.
وقوله : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا) يريد به بني آدم.
وقوله : (كَما ظَنَنْتُمْ) مخاطبة لقومهم من الجنّ وقولهم : (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) يحتمل معنيين : أحدهما بعث الحشر من القبور ، والآخر بعث آدميّ رسولا ، وذكر المهدوي تأويلا ثالثا ، أنّ المعنى : وأنّ الجنّ ظنّوا كما ظننتم أيها الإنس ، فهي مخاطبة من الله تعالى ، قال الثعلبيّ : وقيل : إن قوله : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ ...) الآية ، ابتداء إخبار من الله تعالى ، ليس هو من كلام الجنّ ، انتهى ، فهو وفاق لما ذكره المهدوي ، وقولهم : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) قال جمهور المتأولين : معناه التمسنا ، والشهب كواكب الرجم والحرس يحتمل أن يريد الرمي بالشّهب ، وكرّر المعنى بلفظ مختلف ، ويحتمل أن يريد الملائكة ، و (مَقاعِدَ) : جمع مقعد وقد تقدّم بيان ذلك في سورة الحجر ، وقولهم : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ ...) الآية ، قطع على أنّ كلّ من استمع الآن أحرقه شهاب [فليس هنا]
__________________
(١) قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر : «وإنه تعالى جد ربنا» بكسر الهمزات ، إلا قوله : «أنه استمع» ، و «أن لو استقاموا» ، و «أن المساجد لله» ، فإنهم قرؤوا بالفتح. وزاد ابن كثير ، وأبو عمرو عليهما : «وأنه لما قام عبد الله».
وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ كلّ ذلك بالفتح إلا ما جاء بعد قول ، أو بعد فاء جزاء ، وحفص عن عاصم مثل حمزة.
ينظر : «العنوان» (١٩٨) ، و «شرح شعلة» (٦٠٩) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٦٥) ، و «السبعة» (٦٥٦) ، و «الحجة» (٦ / ٣٣٠) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٠٠) ، و «حجة القراءات» (٧٢٧) ، و «معاني القراءات» (٣ / ٩٦) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٧٣)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٦٤) ، رقم : (٣٥٠٧٦) بنحوه. وذكره ابن عطية (٥ / ٣٨٠) ، وابن كثير (٤ / ٤٢٨)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٦٤) ، رقم : (٣٥٠٨٠) بنحوه ، وذكره البغوي (٤ / ٤٠٢) ، وابن كثير (٤ / ٤٢٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٢) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر.