بعد سمع إنّما الإحراق عند الاستماع] (١) ، وهذا يقتضي أنّ الرجم كان في الجاهلية ، ولكنّه لم يكن بمستأصل ، فلمّا جاء الإسلام ، اشتدّ الأمر ؛ حتّى لم يكن فيه ولا / يسير سماحة ، و (رَصَداً) : نعت ل «شهاب» ووصفه بالمصدر ، وقولهم : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ...) الآية ، معناه : لا ندري أيؤمن الناس بهذا النبيّ فيرشدوا ، أم يكفرون به فينزل بهم الشرّ ، وعبارة الثعلبي : «وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض» حين حرست السماء ومنعنا السّمع ، (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) ، انتهى.
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(١٥)
وقولهم : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) إلى آخر قولهم : (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) هو من قول الجنّ ، وقولهم : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) أي : غير صالحين ، ـ ص ـ : (دُونَ ذلِكَ) قيل : بمعنى غير ذلك ، وقيل : دون ذلك في الصلاح ، ف «دون» في موضع الصفة لمحذوف ، أي : ومنّا قوم دون ذلك ، انتهى ، والطرائق : السّير المختلفة ، والقدد كذلك هي الأشياء المختلفة كأنه قد قدّ بعضها من بعض وفصل ، قال ابن عبّاس وغيره : (طَرائِقَ قِدَداً) أهواء مختلفة (٢). وقولهم : (وَأَنَّا ظَنَنَّا) أي : تيقّنّا ، فالظّنّ هنا بمعنى العلم (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ ...) الآية ، وهذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم بما سمعوا من نبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، و (الْهُدى) يريدون به القرآن ، والبخس النقص ، والرهق تحميل ما لا يطاق ، وما يثقل ، قال ابن عبّاس : البخس نقص الحسنات (٣) ، والرهق الزيادة في السيئات.
وقوله تعالى : (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) الوجه فيه أن يكون مخاطبة من الله تعالى لنبيه محمّد* ع* ويؤيّده ما بعده من الآيات ، و (تَحَرَّوْا) معناه : طلبوا باجتهادهم.
__________________
(١) سقط في : د.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٦٦) ، رقم : (٣٥٠٨٩) بنحوه. وذكره ابن عطية (٥ / ٣٨٢) ، وابن كثير (٤ / ٤٣٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٥) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٦٧) ، رقم : (٣٥٠٩٥) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٨٢) ، وابن كثير (٤ / ٤٣٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٥) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم.