الرجلين ، وتوهين أمر الكافر ، والإشارة إلى الإعراض عنه ، انتهى ، قال السهيلي : وانظر كيف نزلت الآية بلفظ الإخبار عن الغائب فقال : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ولم يقل : عبست وتولّيت ، وهذا يشبه حال العاتب المعرض ، ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) الآية ، علما منه سبحانه أنّه لم يقصد بالإعراض عن ابن أم مكتوم إلا الرغبة في الخير ودخول ذلك المشرك في الإسلام ؛ إذ كان مثله يسلم بإسلامه بشر كثير ، فكلّم نبيّه حين ابتدأ الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ، ثم واجهه بالخطاب تأنيسا له* ع* ، انتهى ، ثم قال تعالى : (كَلَّا) يا محمّد ، ليس الأمر كما فعلت ، إنّ هذه السّورة أو القراءة أو المعاتبة تذكرة ، وعبارة الثعلبي : إن هذه السورة ، وقيل : هذه الموعظة ، وقال مقاتل : آيات القرآن (١) تذكرة ، أي : موعظة وتبصرة للخلق ، (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي : اتّعظ بآي القرآن وبما وعظتك / وأدّبتك في هذه السورة ، انتهى. ـ ص ـ : (ذَكَرَهُ) ذكّر الضمير ؛ لأنّ التذكرة هي الذكر ، انتهى.
(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ)(١٦)
وقوله تعالى : (فِي صُحُفٍ) متعلق بقوله : (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) وهذا يؤيد أن التذكرة يراد بها جميع القرآن ، والصحف هنا قيل إنه اللوح المحفوظ : وقيل صحف الأنبياء المنزلة. قال ابن عبّاس : السّفرة هم الملائكة ، لأنّهم كتبة يقال : سفرت ، أي : كتبت ، ومنه السّفر ، وقال ابن عبّاس أيضا : الملائكة سفرة لأنهم يسفرون بين الله وبين أنبيائه (٢) ، وفي البخاري : سفرة الملائكة [واحدهم سافر] (٣) ، سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله ـ عزوجل ـ وتأديته كالسّفير الذي يصلح بين القوم ، انتهى ، قال* ع (٤) * : ومن اللفظة قول الشاعر : [الوافر]
وما أدع السّفارة بين قومي |
|
وما أسعى بغشّ إن مشيت (٥) |
والصحف على هذا : صحف عند الملائكة أو اللوح.
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٤ / ٤٤٧)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٤٦) (٣٦٣٣٠) ، (٣٦٣٣٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٤٧) ، وابن عطية (٥ / ٤٣٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٧١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥١٩) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وابن المنذر من طريق علي عن ابن عبّاس.
(٣) سقط في : د.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٣٨)
(٥) ينظر : البيت في «البحر» (٨ / ٤١٧) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٣٨) ، والقرطبي (١٩ / ١٤١) ، و «الدر المصون» (٦ / ٤٨٠) ، و «فتح القدير» (٥ / ٣٨٣)