التوهّم» : فإذا وافى الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع ؛ كسيت الشمس حرّ عشر سنين ، ثم أدنيت من الخلائق قاب قوس أو قاب قوسين ، فلا ظلّ في ذلك اليوم إلا ظلّ عرش ربّ العالمين ، فكم بين مستظلّ بظل العرش وبين واقف لحرّ الشمس قد أصهرته ؛ واشتدّ فيها كربه وقلقه ، فتوهّم نفسك في ذلك الموقف ؛ فإنك لا محالة واحد منهم ، انتهى ، اللهمّ ، عاملنا برحمتك وفضلك في الدّارين ، فإنّه لا حول لنا ولا قوّة إلّا بك.
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)(٧)
وقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ ...) يعني : الكفار وكتابهم يراد به الذي فيه تحصيل أمرهم ، وأفعالهم ، ويحتمل عندي أن يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين ؛ أي : هنالك كتبوا في الأزل ، واختلف في (سِجِّينٍ) ما هو؟ والجمهور أن سجينا بناء مبالغة من السّجن ، قال مجاهد : وذلك في صخرة تحت الأرض السابعة (١).
(وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(٢٦)
وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) تعظيم لأمر هذا السّجّين وتعجيب منه ، ويحتمل أن يكون تقرير استفهام ، أي : هذا مما لم تكن تعلمه قبل الوحي ، و (كِتابٌ مَرْقُومٌ) على القول الأول : مرتفع على خبر «إنّ» وعلى القول الثاني مرتفع على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره : هو كتاب مرقوم ، ويكون هذا الكلام مفسّرا ل (سِجِّينٌ) ما هو؟ ، و (مَرْقُومٌ) معناه : مكتوب لهم بشرّ ، وباقي الآية بيّن ، ثم أوجب أنّ ما كسبوا من الكفر والعتو قد (رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : غطى عليها ؛ فهم مع ذلك لا يبصرون رشدا ، يقال :
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٨٦) (٣٦٦٠٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٥٨) ، وابن عطية (٥ / ٤٥١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٣٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه بنحوه.