رانت الخمر على قلب شاربها ، وران الغشي على قلب المريض ، وكذلك الموت ، / قال الحسن وقتادة : الرّين الذّنب على الذنب حتى يموت القلب (١) ، وروى أبو هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الرجل إذا أذنب نكتت نكتة سوداء في قلبه ، ثم كذلك حتّى يتغطّى فذلك الران الذي قال الله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، قال الفخر (٢) : قال أبو معاذ النحوي : الرّين سواد القلب من الذنوب ، والطّبع أن يطبع على القلب ، وهو أشدّ من الرين ، والإقفال أشدّ من الطبع ؛ وهو أن يقفل على القلب ، انتهى ، والضمير في قوله تعالى : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ) للكفار أي : هم محجوبون لا يرون ربّهم ، قال الشافعي : لما حجب الله قوما بالسّخط دلّ على أن قوما يرونه بالرّضى ، قال المحاسبي ـ رحمهالله ـ في كتاب «توبيخ النفس» : وينبغي للعبد المؤمن إذا رأى القسوة من قلبه أن يعلم أنها من الرين في قلبه فيخاف أن يكون الله تعالى لمّا حجب قلبه عنه بالرّين والقسوة أن يحجبه غدا عن النظر إليه ؛ قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) إحداهما تتلو الأخرى ؛ ليس بينهما معنى ثالث ، فإن اعترض للمريد خاطر من الشيطان ليقتطعه عن الخوف من الله تعالى ، حتى تحلّ به هاتان العقوبتان فقال إنما نزلتا في الكافرين ؛ فليقل فإنّ الله لم يؤمّن منهما كثيرا من المؤمنين ، وقد حذّر سبحانه المؤمنين أن يعاقبهم بما يعاقب به الكافرين ؛ فقال تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] إلى غير ذلك من الآيات ، انتهى ، ولما ذكر الله تعالى أمر كتاب الفجار ، عقّب ذلك بذكر كتاب ضدّهم ؛ ليبيّن الفرق بين الصنفين ، واختلف في الموضع المعروف ب (عِلِّيِّينَ) ما هو؟ فقال ابن عبّاس : السّماء السّابعة تحت العرش (٣) ، وروي ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم (٤) ، وقال الضحاك : هو سدرة المنتهى (٥) ، وقال ابن عبّاس أيضا : عليون : الجنة (٦).
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٠) (٣٦٦٢٧) عن الحسن ، وعن قتادة برقم : (٣٦٦٤٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٦٠) ، وابن عطية (٥ / ٤٥٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٨٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٤٠) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (٣١ / ٨٦)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٣) عن ابن عبّاس وعن كعب برقم : (٣٦٦٥٧) ، و (٣٦٦٤٩) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٦٠) ، وابن عطية (٥ / ٤٥٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦) بنحوه.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٥٢)
(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٤) ، (٣٦٦٥٩) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٦٠) ، وابن عطية (٥ / ٤٥٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لعبد بن حميد من طريق الأجلح عن الضحاك رضي الله عنه.
(٦) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٤) ، (٣٦٦٥٨) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٦٠) ، وابن عطية (٥ / ٤٥٢) ، وابن كثير ـ