وقوله تعالى : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) يعني الملائكة ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (١) ، و (يَنْظُرُونَ) معناه إلى ما عندهم من النعيم ، والنضرة : النعمة والرونق ، والرحيق : الخمر الصافية ، و (مَخْتُومٍ) يحتمل أنّه يختم على كؤوسه التي يشرب بها تهمّما وتنظفا ، والظاهر أنه مختوم شربه بالرائحة المسكية ؛ حسبما فسّره قوله : (خِتامُهُ مِسْكٌ) قال ابن عبّاس وغيره : خاتمة شربه مسك (٢) ، [وقرأ الكسائيّ (٣) : «خاتمة مسك»] ، ثم حرّض تعالى على الجنة بقوله : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ).
(وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)(٢٨)
وقوله تعالى : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) المزاج : الخلط ، قال ابن عبّاس وغيره : (تَسْنِيمٍ) : أشرف شراب في الجنة ، وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة ، وهي عين يشرب بها المقربون صرفا ويمزج رحيق الأبرار بها (٤) ؛ وهذا المعنى في «صحيح البخاري» ، وقال مجاهد ما معناه : أن تسنيما مصدر من سنّمت : إذا علوت ، ومنه السّنام ، فكأنه عين قد عليت على أهل الجنة فهي تنحدر ، وقاله مقاتل (٥) ، وجمهور المتأولين أنّ منزلة الأبرار دون منزلة المقربين ، وأن الأبرار هم أصحاب اليمين ، وأن المقربين هم السابقون.
وقوله : (يَشْرَبُ بِهَا) بمعنى يشربها.
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)(٣٤)
__________________
ـ في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٤١) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن ابن عبّاس.
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٥) ، (٣٦٦٦٣) عن قتادة ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤٥٣)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٨) ، (٣٦٦٨٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٤١٦) ، وابن عطية (٥ / ٤٥٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦)
(٣) ينظر : «الحجة» (٦ / ٣٨٦) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٥١) ، و «معاني القراءات» (٣ / ١٣١) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ١٠٤) ، و «العنوان» (٢٠٥) ، و «حجة القراءات» (٧٥٤) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٩٧)
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٠٠) ، (٣٦٧٠٠) ، وعن أبي صالح برقم : (٣٦٧٠٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٦٢) ، وابن عطية (٥ / ٤٥٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٨٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٤٤) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عبّاس بنحوه.
(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٩٩) ، (٣٦٦٩١) عن مجاهد ، وابن عطية (٥ / ٤٥٣)