(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ(٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً)(١٢)
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ ...) الآية ، الكادح : العامل بشدّة واجتهاد ، والمعنى : إنّك عامل خيرا أو شرا ، وأنت لا محالة ملاقيه ، أي : فكن على حذر من هذه الحال ، واعمل صالحا تجده ، وأما الضمير في (فَمُلاقِيهِ) فقال الجمهور : هو عائد على الربّ تعالى ، وقال بعضهم : هو عائد على الكدح* ت* : وهو ظاهر الآية ، والمعنى ملاق جزاءه ، والحساب اليسير : هو العرض ؛ ومن نوقش الحساب هلك ؛ كذا في الحديث الصحيح ، وعن عائشة : هو أن يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه ، ونحوه في الصحيح عن ابن عمر ، انتهى ، وفي الحديث / عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في بعض صلاته : «اللهمّ حاسبني حسابا يسيرا ، فلمّا انصرف ؛ قلت : يا رسول الله ، ما الحساب اليسير؟ قال : أن ينظر في كتابه ويتجاوز عنه ؛ إنّه من نوقش الحساب ـ يا عائشة ـ يومئذ هلك ، وكلّ ما يصيب المؤمن يكفّر الله عنه حتّى الشوكة تشوكه» (١) ، قال صاحب «السلاح» : رواه الحاكم في «المستدرك» ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، انتهى ، وروى ابن عمر أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من حاسب نفسه في الدّنيا ، هوّن الله عليه حسابه يوم القيامة» ؛ قال عزّ الدين بن عبد السّلام في اختصاره ل «رعاية المحاسبي» : أجمع العلماء على وجوب محاسبة النفس فيما سلف من الأعمال وفيما يستقبل منها ، «فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ، انتهى.
(وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) أي : الذين أعدّهم الله له في الجنة ، وأما الكافر فروي أنّ يده تدخل من صدره حتّى تخرج من وراء ظهره فيأخذ كتابه بها.
و (يَدْعُوا ثُبُوراً) معناه : يصيح منتحبا : وا ثبوراه ؛ وا حزناه ، ونحو هذا ، والثبور اسم جامع للمكاره ، كالويل.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٤٨) ، وابن خزيمة (٢ / ٣٠) ، جماع أبواب الكلام المباح في الصلاة والدعاء والذكر ، ومسألة الرب عزوجل ـ وما يضاهي هذا ويقاربه : باب مسألة الرب جل وعلا ـ في الصلاة محاسبة يسيرة ، إذ المحاسبة بجميع ذنوبه والمناقشة به تهلك صاحبها (٨٤٩) ، والحاكم (١ / ٥٧ ـ ٢٥٥) ، (٤ / ٢٤٩ ، ٥٨٠).
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، إنما اتفقا على حديث أبي مليكة ، ومن نوقش الحساب عذب ، ووافقه الذهبي.