وقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة الدالّ على أن البعث جائز ممكن ، ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضابا وإسراعا إلى إقامة الحجة ، فقال : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) قال الحسن وغيره : معناه : من بين صلب كلّ واحد من الرجل والمرأة ، وترائبه (١) ، وقال جماعة : من بين صلب الرجل وترائب المرأة [والتريبة من الإنسان : ما بين التّرقوة إلى الثدي ، قال أبو عبيدة معلّق الحلي إلى الصدر ، وقيل غير هذا (٢).
(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(١٧)
وقوله تعالى : (إِنَّهُ (٣) عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) قال ابن عبّاس وقتادة : المعنى أن الله على ردّ الإنسان حيّا بعد موته لقادر (٤) ، وهذا أظهر الأقوال هنا وأبينها ، و (دافِقٍ) قال كثير من المفسرين : هو بمعنى مدفوق ، والعامل في (يَوْمَ) الرّجع من قوله : (عَلى رَجْعِهِ).
و (تُبْلَى السَّرائِرُ) معناه تختبر وتكشف بواطنها ، وروى أبو الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أن / السرائر التي يبتليها الله من العباد : التوحيد ، والصلاة ، والزكاة ، والغسل من الجنابة ، قال* ع (٥) * : وهذه معظم الأمر ، وقال قتادة : الوجه في الآية العموم في جميع السرائر (٦) ، ونقل ابن العربي في «أحكامه» عن ابن مسعود : أنّ هذه المذكورات [من] الصلاة والزكاة والوضوء والوديعة كلّها أمانة ، قال : وأشدّ ذلك الوديعة تمثل له ، أي : لمن خانها على هيئتها يوم أخذها فترمى في قعر جهنم ، فيقال له : أخرجها ، فيتبعها فيجعلها في عنقه فإذا أراد أن يخرج بها زلّت منه فيتبعها ؛ فهو كذلك دهر الداهرين ، انتهى ، * ت* : قال أبو عبيد الهروي : قوله تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) الواحدة سريرة وهي الأعمال التي أسرّها
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٦٥)
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٦٥)
(٣) سقط في : د.
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٣٧) ، (٣٦٩٣٧) عن قتادة ، وذكره البغوي (٤ / ٤٧٣) ، وابن عطية (٥ / ٤٦٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٦١) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة بنحوه.
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٦٦)
(٦) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٦٦)