(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) أنّ الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما في المال.
وقوله تعالى : (إِذا تَرَدَّى) ، قال قتادة وغيره : معناه تردّى في جهنم (١). وقال مجاهد : (تَرَدَّى) معناه : هلك من الرّدى (٢) ، وخرّج البخاريّ وغيره عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : «كنّا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : ما منكم من أحد ، أو ما / من نفس منفوسة إلّا وقد كتب مكانها من الجنّة والنار ، وإلّا قد كتبت شقيّة أو سعيدة ، فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نتّكل على كتابنا ، وندع العمل ، فمن كان منّا من أهل السّعادة ؛ فسيصير إلى أهل السّعادة ، ومن كان منّا من أهل الشقاء ؛ فسيصير إلى عمل أهل الشّقاء؟ قال : أمّا أهل السّعادة ، فييسّرون لعمل أهل السّعادة ، وأمّا أهل الشقاوة ، فييسّرون لعمل أهل الشقاوة ، ثمّ قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) إلى قوله : (لِلْعُسْرى)» وفي رواية ، لمّا قيل له : أفلا نتّكل على كتابنا ، قال : لا ؛ بل اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» الحديث ، وخرّجه الترمذيّ أيضا ، انتهى ، قال ابن العربيّ في «أحكامه» : «وسأل شابّان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالا : العمل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير أم في شيء مستأنف؟ فقال : بل فيما جفّت به الأقلام ، وجرت به المقادير ، قالا : ففيم العمل إذن : قال : اعملوا ؛ فكلّ ميسّر لعمله الّذي خلق له» قالا : فالآن نجدّ ونعمل» (٣) انتهى ، وقال قوم : معنى تردّى ، أي : بأكفانه من الرداء ؛ ومنه قول الشاعر : [الطويل]
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٦١٧) ، (٣٧٤٨١) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٩٦) ، وابن عطية (٥ / ٤٩١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥٢٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٠٦) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٦١٧) ، (٣٧٤٨٢) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٩٦) ، وابن عطية (٥ / ٤٩١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥٢٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٠٦) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) أخرجه البخاري (١١ / ٥٣٠) ، كتاب «القدر» باب : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٦٦٠٥) ، (١٣ / ٥٣١) ، كتاب «التوحيد» باب : قول الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر) (٧٥٥٢) ، ومسلم (٤ / ٢٠٣٩ ، ٢٠٤٠) ، كتاب «القدر» باب : كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه ، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته (٦ ـ ٧ / ٢٦٤٧) ، وأبو داود (٢ / ٦٣٤ ـ ٦٣٥) ، كتاب «السنة» باب : في القدر (٤٦٩٤) ، والترمذي (٤ / ٤٤٥) ، كتاب «القدر» باب : ما جاء في الشقاوة والسعادة (٢١٣٦) ، (٥ / ٤٤١) ، كتاب «التفسير» باب : ومن سورة : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (٣٣٤٤) ، وأحمد (١ / ٨٢ ، ١٢٩ ، ١٣٢ ـ ١٣٣ ، ١٤٠ ، ١٥٧) ، وابن حبان (٢ / ٤٣ ـ ٤٤ ـ ٤٥) ، كتاب «البر والإحسان» باب : ما جاء في الطاعات وثوابها (٢٣٣ ـ ٢٣٤) ، والطيالسي (١ / ٣٢) ، كتاب «القدر» باب : ما جاء في العمل مع القدر (٦١) ، وابن ماجه (١ / ٣٠ ـ ٣١) ، «المقدمة» باب : في القدر (٧٨).
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.