(ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) فقال عكرمة : «ما» بمعنى : الذي (١) ، والتقدير : الشيء الذي أنذر آباؤهم من النار / والعذاب ، ويحتمل أن تكون «ما» مصدرية على هذا القول ، ويكون الآباء هم الأقدمون على مر الدهر.
وقوله : (فَهُمْ) مع هذا التأويل بمعنى : فإنّهم ، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة ، وقال قتادة : «ما» نافية (٢) ، فالآباء على هذا هم الأقربون منهم ، وهذه الآية كقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) [سبأ : ٤٤] وهذه النذارة المنفية : هي نذارة المباشرة ، كما قدّمنا ، و (حَقَّ الْقَوْلُ) معناه : وجب العذاب وسبق القضاء به ، وهذا فيمن لم يؤمن من قريش كمن قتل ببدر ، وغيرهم.
(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٠)
وقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً ...) الآية.
قال مكي : قيل : هي حقيقة في الآخرة إذا دخلوا النار (٣).
وقال ابن عبّاس وغيره : الآية استعارة لحال الكفرة الذين أرادوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم بسوء ، فجعل الله هذه مثلا لهم في كفّه إيّاهم عنه ومنعهم من إذايته حين بيّتوه (٤).
وقالت فرقة : الآية مستعارة المعاني من منع الله تعالى إيّاهم من الإيمان ، وحوله بينهم وبينه ، وهذا أرجح الأقوال ، و «الغلّ» : ما أحاط بالعنق على معنى التّثقيف والتّضييق والتّعذيب.
وقوله : (فَهِيَ) يحتمل أن تعود على الأغلال ، أي : هي عريضة تبلغ بحرفها الأذقان ، والذّقن : مجتمع اللّحيين ، فيضطرّ المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء ، وذلك هو الإقماح ، وهو نحو الإقناع في الهيئة.
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٦)
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٦)
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٦)
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٧)