قال قتادة : المقمح : الرافع رأسه (١) ، ويحتمل ـ وهو قول الطبري (٢) ـ أن تعود (هي) على الأيدي ؛ وذلك أن الغلّ إنما يكون في العنق مع اليدين ، وروي أن في مصحف ابن مسعود (٣) وأبيّ «إنّا جعلنا في أيمانهم» وفي بعضها «في أيديهم» ، وأرى الناس عليّ بن أبي طالب الإقماح فجعل يديه تحت لحييه وألصقهما ورفع رأسه (٤) ، وقرأ الجمهور : «سدّا» ـ بضمّ السين في الموضعين ـ ، وقرأ حمزة والكسائيّ وغيرهما (٥) (سدّا) ـ بفتح السين ـ ، فقيل : هما بمعنى ، أي : حائلا يسدّ طريقهم ، وقال عكرمة : ما كان ممّا يفعله البشر فهو بالضمّ ، وما كان خلقة فهو بالفتح (٦) ، ومعنى الآية : أن طريق الهدى سدّ دونهم.
(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(١٢)
وقوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ...) الآية ، «إنما» ليست للحصر هنا ؛ بل هي على جهة تخصيص من ينفعه الإنذار ، «واتباع الذكر» هو العمل بما في كتاب الله والاقتداء به. قال قتادة : الذكر : القرآن (٧).
وقوله : (بِالْغَيْبِ) ، أي : بالخلوات عند مغيب الإنسان عن أعين البشر. ثم أخبر ـ تعالى ـ بإحيائه الموتى ردّا على الكفرة ، ثم توعّدهم بذكر كتب الآثار وإحصاء كلّ شيء ، وكلّ ما يصنعه الإنسان فيدخل فيما قدّم ، ويدخل في آثاره ، لكنه سبحانه ؛ ذكر الأمر من الجهتين ؛ ولينبّه على الآثار التي تبقى ، وتذكر بعد الإنسان من خير وشر.
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٧) عن قتادة ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٦٤) عن أم زرع.
(٢) ينظر : «تفسير الطبري» (١٠ / ٤٢٦)
(٣) ينظر : «الكشاف» (٤ / ٦) ، و «المحرر» (٤ / ٤٤٧)
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٧)
(٥) وقرأ بها حفص عن عاصم.
وفي قراءة الباقين قال قوم : ما كان من فعل بني آدم فهو السّد ، وما وجد مخلوقا فهو السّدّ. وعكس أبو عمرو.
ينظر : «إعراب القراءات» (٢ / ٢٢٩) ، و «السبعة» (٥٣٩) ، و «الحجة» (٦ / ٣٧) ، و «حجة القراءات» (٥٩٦) ، و «العنوان» (١٥٩) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٩٧)
(٦) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٧)
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٢٩) برقم : (٢٩٠٦٥) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٨٧).
وعزاه السيوطي لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.