الفاعل في نفسه ؛ كما تقول : وجدتني / وظننتني ، ثم حقّر تعالى غنى هذا الإنسان وحاله بقوله : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي : بالحشر والبعث يوم القيامة ، وفي هذا الخبر وعيد للطاغين من الناس ، ثم صرّح بذكر الناهي لمحمّد* ع* ، ولا خلاف أن الناهي* أبو جهل ، وأن العبد المصلّي هو محمّد* ع*.
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(١٩)
وقوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) إكمال للتوبيخ والوعيد بحسب التوفيقات الثّلاث ، يصلح مع كلّ واحد منها ، * ت* : وفي قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ما يثير الهمم الراكدة ، ويسيل العيون الجامدة ، ويبعث على الحياء والمراقبة ، قال الغزالي : اعلم أنّ الله مطّلع على ضميرك ، ومشرف على ظاهرك وباطنك ، فتأدّب أيها المسكين ظاهرا وباطنا بين يديه سبحانه ؛ واجتهد أن لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك ، ولا تدع عنك التفكر في قرب الأجل ، وحلول الموت القاطع للأمل ، وخروج الأمر من الاختيار ، وحصول الحسرة والندامة بطول الاغترار ، انتهى ، ثم توعّده تعالى لئن لم ينته ليؤخذنّ بناصيته ، فيجرّ إلى جهنّم ذليلا ، تقول العرب : سفعت بيدي ناصية الفرس ، والرجل إذا جذبتها مذلّلة ، وقال بعض العلماء بالتفسير : معناه لتحرقنّ ، من قولهم : سفعته النار ، واكتفى بذكر الناصية لدلالتها على الوجه والرأس ، والناصية مقدّم شعر الرأس ، ثم أبدل النكرة من المعرفة في قوله : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) ووصفها بالكذب والخطإ من حيث هي صفات لصاحبها.
قوله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أي أهل مجلسه ، والنادي والندي : المجلس ، ومنه دار الندوة ، وقال البخاري قال مجاهد : ناديه : عشيرته (١).
وقوله : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) أي : / ملائكة العذاب ، ثم قال ـ تعالى ـ لنبيه ـ عليهالسلام ـ : (كَلَّا لا تُطِعْهُ) أي : لا تلتفت إلى نهيه وكلامه و (اسْجُدْ) لربك و (اقْتَرِبْ) إليه بسجودك ، وفي الحديث : «أقرب ما يكون العبد من ربّه إذا سجد ، فأكثروا من الدّعاء في السجود ، فقمن أن يستجاب لكم» ، وروى ابن وهب عن جماعة من أهل العلم : أنّ قوله : (وَاسْجُدْ) : خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وأن قوله : (وَاقْتَرِبْ) : خطاب لأبي جهل ، أي : إن
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٦٤٩) ، (٣٧٦٩٠) عن ابن عبّاس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٢٧) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.