شجاعا إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام من تحت يد قيصر ، وأرسل سليكا إلى هودة بن خليفة ملك التهامة ، وأرسل العلاء إلى المنذر بن امرئ (١) القيس ملك البحرين ، وبعث عمرا (٢) إلى النجاشيّ ملك الحبشة ، وبعث دحية إلى قيصر ، ثمّ إلى ملك عمان ، وأرسل حذافة إلى كسرى أفرويز (٣) الجبار ملك الفرس ، وكانت نسخ كتبه عليهالسلام إلى هؤلاء متقاربة ، وكان المنافقون يتعجّبون منه ، ويقولون : كيف يكاتب الملوك قاطبة ، ويستشهر سيوفهم على نفسه ، ولم تثبت له قدم بعد ، فأمّا المقوقس ملك القبط فأحسن الإجابة ، وأهدى إليه هدايا فاخرة من الكسوة والجواري والغلمان والمراكب ، ويقال : إنّه أسعد بالإيمان والإسلام ، وأمّا ملوك الشام وتهامة والبحرين وعمان فاستحود عليهم الشيطان ، وزيّن لهم العصيان ، وأما النجاشيّ فشهد الشهادتين ، وخطب لرسول الله أمّ حبيبة بنت أبي سفيان (٤) بوكالة من جهته عليهالسلام ، وردّ إليه جعفر بن أبي طالب عزيزا (٥) مكرّما مع سائر المهاجرين إليه في الهجرة الأولى ، فرجعوا شاكرين ، وأرسل ابنه في عشرين نقيبا من خواصّه ، فغرقت بهم السفينة في البحر ، ثمّ إنّه مات على الشهادة ، وصلّى عليه رسول الله ، وأمّا قيصر فذكر الزهريّ : أنّه بلغه كتاب رسول الله من جهة عظيم بصرى (٦) ، وذلك أنّ دحية دفعه إليه ليوصله إلى قيصر ، ففتح الكتاب ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم (٢١٧ و) من محمد رسول الله إلى هرقل (٧) عظيم الروم ، سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله الأجر (٨) مرّتين ، وإن توليت فإنّ عليك إثم الإرّيسيّين (٩) ، وأهل (١٠) الكتاب. [فلما فرغ من قراءة الكتاب](١١) ارتفعت عنده الأصوات (١٢) ، وكثر اللغظ ، وقاموا عن مجلسهم ، ثمّ دعا هرقل عظماءهم بعد
__________________
(١) الأصول المخطوطة : امرؤ.
(٢) الأصول المخطوطة : عمروا.
(٣) ع : أفرويزما. جاء في السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٨ : «وكسرى هذا هو : أبرويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباذ ، وهو الذي غلب الروم».
(٤) أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب الأموية ، توفيت سنة ٤٤ ه. ينظر : المنتخب من كتاب أزواج النبي ٥٠ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٤٣ ، وصفة الصفوة ٢ / ٤٢.
(٥) أ : عن ابن.
(٦) الأصول المخطوطة : صنوى ، والتصحيح من كتب التخريج.
(٧) ساقطة من ك.
(٨) ع : أجرك.
(٩) الذين هم داخلون في طاعتك ويجيبونك إذا دعوتهم. لسان العرب ٦ / ٥.
(١٠) أ : وبأهل.
(١١) زيادة من مصادر التخريج.
(١٢) أ : الأصول.