يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك. ثم ينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها. وإن أحدكم ليعلم بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة ، فيدخلها (٣٢٩)».
والإيمان بالقضاء والقدر لا يجعل الإنسان فاقدا للقدرة والإرادة ، ولا يسلبه حريته في اتخاذ قراراته وتحديد مواقفه. فقد ترك الله للإنسان حرية الاختيار بين الكفر والإيمان :
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). (٣٣٠)
وليس لأحد من رسول أو غيره سلطة لإجبار الناس على الإيمان ، فلو شاء الله لجعل الناس جميعا مؤمنين ، ولكنه تركهم وشأنهم ليلقى كل واحد جزاءه :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). (٣٣١)
ولا يجوز لأحد أن يتعلل بالقضاء والقدر ، ويحتج بمشيئة الله في الشرك به وارتكاب المحرمات ، كما فعل المشركون من قبل :
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا (٣٣٢) قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (٣٣٣) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ. فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ). (٣٣٤)
فقولهم هذا بعيد عن الحقيقة ، مجرد من البرهان وما هو إلا رجم بالغيب وتقليد للسابقين ومصير كل من قال به العذاب الشديد. وليس لأحد أن يحتج بمثله ؛ فقد أقام الله الحجة على عباده ، وبلغهم الرسل ما نزل إليهم من الحق.
ومشيئة الإنسان من مشيئة الله ، فهو الذي منحة القدرة على العمل والحرية في أقواله وأفعاله ، ومشيئته ـ تعالى ـ مطلقة ، وعلمه لا يحد ، ورحمته وسعت كل شيء (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً). (٣٣٥)
وعلى هذا فإن كل ما يصيب الإنسان من حسنة أو سيئة يصح نسبته إلى الله