قَدِيرٌ. تُولِجُ (٣٤٥) اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). (٣٤٦)
وبذلك يكون الإيمان بالقدر بلسماء لشفاء الجروح التي يصاب بها المرء حين يقوم بالمهام الصعبة ، وبرءا للنفوس حين يصيبها الإعياء والسقم وهي تتصدى للمخاطر الجسيمة ، وكابحا لنزوات الفرد من أن تجعله يخرج عن الطريق. فبينما ينهار الكافر إذا أصابه مكروه ، ويختال إذا أصابه خير ، وينقطع عن العمل مدة طويلة بسبب يأسه وتحسره في الحالة الأولى ، أو بسبب فرحه وسروره الذي يجعله يميل إلى الملذات ، ويقيم الاحتفالات في الحالة الثانية ؛ فإن المؤمن يستمر في العمل المجدي الذي يعود بالنفع عليه وعلى أمته :
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). (٣٤٧)
وبينما يمتلئ قلب الكافر بالحسد إذا رأى من فضل عليه في الرزق ، وتطير نفسه شعاعا إذا سيق إلى ساحة الوغى ، وتجده ضعيفا خائرا في ساعة العسرة ، وشاكيا ناقما حين المصيبة ؛ فإن المؤمن طاهر القلب ثابت الجنان ، مطمئن النفس ، صابر شاكر.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير وليس ذلك لغير المؤمن إذا أصابه سراء شكر فكان خيرا له ، وإذا أصابه ضراء صبر فكان خيرا له» (٣٤٨)
وهذا ما يؤدى إلى سعادة الفرد وفلاحه ورقي الأمة وتقدمها.
وهكذا يتجلى أن الإيمان بالله ليس وهما ولا خرافة ، بل هو حقيقة ثابتة وقضية مسلمة ، لا يماري فيها أي عاقل : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣٤٩)
وليس الإيمان سببا للجمود ولا عائقا عن الرقي ، وليس صلة خاصة بين الإنسان وربه دون أن يكون لها علاقة بالحياة ؛ فالإيمان أساس في التربية ومنطلق في الإصلاح ودعامة لكل خير وفضيلة.
وليس العمل بالتعاليم التي جاء بها الرسول صلىاللهعليهوسلم مانعا من مسايرة العصر والتقدم ، بل مانعا من الزيغ والضلال ومن الانحراف والفساد.
واتباع الرسل يصون جهود الإنسان من التبعثر ، ويقيه شر التخبط بالسير على الطرق التي يحسب أن فيها نجاته ؛ فيوفر جهده ووقته لإنجاز ما يعود عليه بالنفع ،