وناولت كل واحدة سكينا ، ونادته ليخرج عليهن. فلما رأينه هالهن حسنه وأذهلهن بهاؤه ، فقطعن أيديهن ولم يشعرن ، وانطلقت منهن عبارات الإعجاب والثناء عليه. وحينئذ بينت أنه هو الذي دخل شغاف قلبها ، وأعلنت أنها ستأمر بسجنه وإهانته ما لم يستجب لها ، صراحة بلا مواربة ولا حياء.
(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ (٣٨) ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ (٣٩) وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ). (٤٠)
وقاوم يوسف الوعيد كما قاوم الإغراء ولم يؤثر فيه التهديد كما لم يؤثر فيه الترغيب. وما أقل النفوس التي تحافظ على استقامتها وصلاحها رغم كل هذا وذاك!
وفضل السجن على الانزلاق في حمأة الرذيلة ، والتجأ إلى الله ليثبته ويعينه :
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ (٤١) إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ. فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ (٤٢) لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٤٣)
وبذلك انتهت المرحلة الثانية من القصة. وأبرز ما فيها التمجيد بالشرف والعفة ، وإكبار من يتعالى على وسائل الترف والمدنية الزائفة ، ويترفع على دافع الشهوة ونزعة الغريزة.