وهكذا يكون شأن المومنين أبدا ، قوة لا تعرف الضعف ، وجرأة لا تعرف الخور ، وثبات لا يعرف الهزيمة ، واستعلاء ينكر الخضوع لغير الله :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ (٩١) كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا (٩٢) لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا (٩٣) وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٩٤)
٤ ـ والمؤمن يشعر بعزته لأن الله أعز المؤمنين ورفع شأنهم :
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٩٥)
والمؤمن يشعر بكرامته لأنه لا يحني ظهره لغير خالقه ، ولا يذل نفسه لغير بارئه وهو مع ذلك رحيم متواضع غير باغ ولا عاد :
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٩٦)
٥ ـ والإيمان بالله قاعدة للحرية والمساواة والعدالة. أما الحرية! فلا تكون بشكل صحيح إلا في ظل العبودية لله عزوجل ، فحينئذ يتحرر المرء من أهواء نفسه الأمارة بالسوء ، ويتحرر من الخوف على حياته وعلى رزقه وعلى مستقبله ومصيره ؛ لأنه يعلم أن الله وحده مالك أمره ، فلا يخضع لمخلوق مثله.
وحين يستمد الرجل حريته من رب العالمين لا يرضى بأن يسلبها منه أو يضع قيدا عليها طاغية مستبد ، فتراه يضحي بماله وروحه للحفاظ على حريته ، ولا يرى قيمة للحياة بدونه. وبذلك تحافظ الأمة على سيادتها واستقلالها ، ويبذل الأفراد أقصى جهودهم لرقيها وازدهارها.
والحرية المحدودة بشريعة الإسلام لا تقتصر على فئة مخصوصة أو طبقة معينة ، وإنما تشمل الناس جميعا ؛ لأنها ليست منحة من الطبيعة ، فيستغلها الأغنياء والأقوياء ، ويحرم منها الضعفاء والفقراء ، وليست نعمة من الملك أو الإمبراطور ، فيغدقها على المقربين إليه ، ويحجبها عمن دونهم ، وليست تشريعا من إحدى سلطات الدولة ، فتكون لصالح بعض الناس دون بعضهم الآخر. فشريعة الإسلام مبرأة من التحيز والعنصرية ، والحرية المنظمة بأحكامه تحقق العدل وتمنع الظلم.
وأما المساواة! فهي نتيجة للإيمان بأن الله خلق الناس جميعا من نفس واحدة :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً). (٩٧)