تفكيرهم وقلة إدراكهم في قديم الزمان ، فلما اتسعت المدارك ، وتفتحت العقول كانت معجزة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم الكبرى التي اعتمد عليها في دعوته معجزة عقلية باقية ، يستطيع كل عاقل أن يتملاها ، ويدرك نواحي الإعجاز التي فيها ، وهي القرآن الكريم.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم :
«ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٢٢٢).
وفوق ذلك فقد جاء ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بمعجزات حسية كثيرة للدلالة على أن رسالته لا تختلف في أصلها عن رسالات الذين سبقوه ، ولكنه لم يكن يعتمد عليها في دعوته. وهي مبينة في كتب السيرة.
غير أن الرسول لا يستطيع أن يفعل شيئا من الخوارق إلا ما أذن الله له فيه وسلطه عليه ، فالفاعل الحقيقي هو الله تعالى. وما المعجزة إلا دليل على أن من جاء بها هو رسول الله.
ولئن كنا نجهل تفاصيل حياة الرسل الأولين ، ولا نعلم منها إلا ما قصه الله في كتابه المنزل على خاتمهم ، وغالب ما ذكر فيه يتعلق بالدعوة ومواقف أقوامهم منها ، فإن حياة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم معروفة بكل دقائقها منذ ولادته حتى وفاته واضحة وضوح الشمس. ومن واجبنا أن ندرس السيرة النبوية ، ونجعل صاحبها قدوة لنا في أخلاقنا وأعمالنا :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً). (٢٢٣)
وهو الرسول الذي أخذ الله العهد على النبيين من قبله أن يؤمنوا به حين يرسل وأن يتبعوه وينصروه ، وأن يدعوا أتباعهم إلى ذلك :
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي (٢٢٤) قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٢٢٥)
ومن واجب كل من آمن برسول من قبله أن يؤمن به وأن يتبعه :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ