الضمير في يظللن للجواري وفي ظهره للبحر ، أي لو أراد الله أن يسكن الرياح لبقيت السفن واقفة على ظهر البحر ، فالمقصود تعديد النعمة في إرسال الرياح أو تهديد بإسكانه (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) عطف على يسكن الريح ، ومعنى يوبقهن يهلكهن بالغرق ، من شدة الرياح العاصفة والضمير فيه للسفن ، وفي كسبوا لركابها من الناس والمعنى : أنه لو شاء لأغرقها بذنوب الناس (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي يعلمون أنه لا مهرب لهم من الله ، وقرأ نافع وابن عامر يعلم بالرفع على الاستئناف ، [وقرأ الباقون] بالنصب واختلف في إعرابه على قولين : أحدهما أنه نصب بإضمار أن بعد الواو لما وقعت بعد الشرط والجزاء ؛ لأنه غير واجب. وأنكر ذلك الزمخشري وقال : إنه شاذ فلا ينبغي أن يحمل القرآن عليه ، والثاني قول الزمخشري إنه معطوف على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم ، قال : ونحوه من المعطوف على التعليل المحذوف في القرآن كثير ، ومنه قوله : ولنجعله آية للناس [مريم : ٢١] (كَبائِرَ الْإِثْمِ) ذكرنا الكبائر في [النساء : ٣١] وقيل : كبائر الإثم : هو الشرك ، والفواحش : هي الزنا واللفظ أعم من ذلك.
(وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) قيل : يعني الأنصار ، لأنهم استجابوا لما دعاهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الإسلام ، ويظهر لي أن هذه الآية إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، لأنه بدأ أولا بصفات أبي بكر الصديق ، ثم صفات عمر بن الخطاب ، ثم صفات عثمان بن عفان ، ثم صفات علي بن أبي طالب ، فكونه جمع هذه الصفات ، ورتبها على هذا الترتيب يدل على أنه قصد بها من اتصف بذلك ، فأما صفات أبي بكر فقوله : الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، وإنما جعلناها صفة أبي بكر وإن كان جميعهم متصفا بها ، لأن أبا بكر كانت له فيها مزية لم تكن لغيره فقد روي : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجحهم (١) وورد : أنا مدينة الإيمان وأبو بكر بابها (٢) وقال أبو بكر : لو كشف الغطاء لما ازددت إلا يقينا ، والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان. أما صفات عمر فقوله : والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش لأن ذلك هو التقوى ، وقوله : وإذا ما غضبوا هم يغفرون ، وقوله : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله نزلت في عمر ، وأما صفات عثمان فقوله : والذين استجابوا لربهم لأن عثمان لما دعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإيمان تبعه ، وبادر إلى
__________________
(١). قال عنه في تخريج الإحياء : رواه البيهقي في الشعب موقوفا على عمر بإسناد صحيح.
(٢). المشهور : وعلى بابها وقد ذكره المناوي في التيسير وعزاه للعقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس. والحديث مدعوم بكثرة طرقه والله أعلم.